|
..إِبْتَسَمَت بِسُخْرِيَة كَبِيْرَة وَهِى تَتَأَمَّل فَرْحَتَهَا بِجَانِب عْرِيسْها دَاخِل الْإِطَار الْمُعَلَّق عَلَى الْحَائِط أَمَامَهَا ، وَنَظَرْت الَى مَلَامِح طِفْلَهَا الْصَّغِيْر وَهُو يَخْتَبِئ بَيْن ذِرَاعَيْهَا، تَقْرَأ فِى عَيْنَيْه أَسْئِلَة لَا تَسْتَطِيْع إِجَابَتِهَا،فَقَط تَتَنَدَّى مُقْلَتَيْهَا بِدَمْعَة يَمْنَع نُزُوْلِهَا الْكِبْرِيَاء الْرَّاسِخ فِى كِيَانِهَا الأُنْثْوَى الْمَجْرُوْح، وَتَطُوُف عَلَيْهَا الْذِّكْرَيَات تُحَمِّل الْلَّوْم وَالعِتَاب وَالْحَزَن وَمَع الْإِغْفَاءَة الْمَلَائِكِيَّة لِابْنِهَا دَفَعَهَا وَجْه الْشَّبَه بِأَبِيِه أَن تَسْتَرْجِع ذَلِك الْيَوْم الَّذِى فِتْنَتِهَا فِيْه تِلْك المَلَامِح الْبَيْضَاء ذَات الْطَابِع الْبَرِىء الصَافِى الْبُرُاق، سَاعَتَهَا قَالَت لَه :أَنَا لَا أُرِيْد أَن أَغْضَب الْلَّه ، تَزَوَّجَنِى وَلَنَا فِى الْحَلَال فُسْحَة.وَكَادَت فَاقَتُه الْمَادِّيَّة أَن تُبْعِدُه عَنْهَا غَيْر أَنَّهَا طُرِحَت تَحْت قَدَمَيْه مَالِهَا وَمَا تَمْلِكُه، وَكَانَت تَتَحَمَّل كُل الْمَشَاق لِتُعْطِيَه رَاتِبَهَا شَهْرِيّا دُوْن أَن تُشْعِرَه بِأَى نَقُص لكِيَانَه أَو رُجُوْلَتِه،وَزَاد إِحِّتَضَانُهَا لِابْنِهَا الْصَّغِيْر وَهِى تَسْتَرْجِع سَعَادَة ثَمَان سَنَوَات قَضَتْهَا بِكُل حُب قَبْل أَن يُسَافَر زَوْجَهَا لَاحْدَى الْبِلَاد ، وَكَانَت تُغَالَب الْغُرْبَة وَالْوَحْشَة وَتَشْتَعِل بِأَحَاسِيْس لَم تَكُن تَشْغَلَه هُو الَّذِى رَاح يُسْتَخْرَج الْأَمَوَال مِن كُل الجُحُورْويُمَعَن فِى تَرْفِيه نَفْسِه وَتَصْنِيع شَخْصِيَّتِه مِن جَدِيْد كَأَنَّمَا يَنْتَقِم مِن كُل لَحَظَات الْفَقْر ، وَعَلَى طُول الْسَّنَوَات لَم يُرْسِل لَهَا بِرِسَالَة شَوْق ، حَتَّى عِنْد عَوْدَتِه رَجَع الَى بَيْت جَدِيْد ، وَهِى الَّتِى حَمْلَهَا قَلْبِهَا لتُهَرّوّل إِلَيْه ، وَأَسْتَقَبْلَهَا مُبتَسَمَاتَفَصّل بَيْنَهُمَا صَبِيَّة ذَات عِطْر وَجَمَال ،لَم تَعْرِف لَحْظَتَهَا لِمَن تُمَد يَدَهَا ، وَلَم تَجِد مِن يَمْلَأ حِضْنِهَا الْخَاوِى الَا أُبَنَّهَا الْصَّغِيْر ، فَرَاحَت تَحْتَضِنُه ، وَتَحْتَضْنّه ، وَشَعْر الْطِّفْل بِشِدَّة ذِرَاعَى أُمُّه ، فِعْلَا صَوْتَه: مَامَا ، وإِنْتَفَضّت مُنْتَبِهَة، وَطُبِعَت عَلَى جَبِيْنِه قُبْلَة أَسَقْتِهَا هَذِه الْمَرَّة دُمُوْعْا غَزِيِرَة رُغْما عَنْهَا ، وَنَهَضْت تَلْعَب مَعَه وَتَضْحَك لَه وَأَلْقَت بَعِيْدا مَا أَغْتَصِبُهَا مِن بَوَاقَى الْذِّكْرَيَات
|