(سلسلة) لغـــز أسمــه ...الــــزواج ..؟!


لغــــز اسمــــه الــــزواج ..؟!




المقدمــــــة



لست ممن أوغلوا القدم في الزواج .. لكنني أكاد أجزم أن تلك المواقف التي تحدث فى كل بيت تتشابه على اختلاف العصور و الأماكن و الأشخاص؛ لأن المسببات واحدة . أستطيع أن ألخصها في كلمـــة فقط .. المـــــرأة ..!!

فالمرأة هي المرأة فى كافة الأزمان و البلدان , بمشاعرها و عواطفها المتقلبة التي تتحكم في ردود أفعالها , تلغي تفكيرها و تدفعها إلى أنصاف الجنون .. إن لم يكن الجنون الكامل ..!!
.. فلا توجد أبداً امرأة سعيدة .. ذلك لأن الشكوى هي جزء من طبيعتها و شخصيتها .. فهي دائمـة التزمر و الضيق و الغضب .. والبكاء أيضاً .. البكاء عندها له مفهوم آخر عن الرجال .. فهو يزيد العينين رونقاً و جمالاً .. و بشرتها نداوة و نضارة , يخرج تلك الشحنة الزائدة التي تستدر بها عطف كل من حولها .. فتحل به كل مشاكلها .. فهو مفتاح اللغز الذي أسمه الرجل ..!!

..معظم مشاكل المرأة .. هي بسبب امرأة أخرى ..!! قد تكون صديقتها .. قريبتها .. أم زوجها .. أو أخته أو حتى أختها .. بل ربما هي نفسها ..!! - إذا ما نظرت في المرآة و لم يعجبها هيئتها .. أو تصفيفة شعرها ..!!-
ربما لن تجد فى الكون كله امرأة ليس لديها تلك المشكلة .. اللهم إلا جدتنا حواء .. و رغم ذلك كانت السبب في خروج آدم من الجنة , و هي أصل كل تلك المشاكل التي نحن بها الآن ..!!
.. عندما أصبح في الكون امرأتان أخريتان .. هما زوجتا هابيل و قابيل ..وقعت أول جريمة قتل على وجه البشرية .. قتل فيها سدس سكان العالم .. حين قتل هابيل أخيه قابيل بسبب الغيرة الشديدة من الزوجات .. على الرغم من أنهم جميعاً أخوة من أب و أم واحدة .. و رغم أن اختراع الحماة .. لم يكن قد ظهر بعد في هذا العهد.. فكانت حماتهما هي أمهما .. و الأم بطبيعة الحال تقف دائماً إلى جانب أولادها ..و كلهم كانوا بنيها ..!!
.. من بعد ذلك التاريخ بدأت تلك المنازعات الشبيهة بمنازعاتنا الأسرية .. اليومية الأبدية .. و سنحاول رسم تلك الصور الخيالية .. الكوميدية الهزلية .. لكم في حلقات متوالية ..

فتابعـونا


الحلقـة الأولـى




العصــر الحجــري



..كانت النار قد عرفت منذ عهد قريب ؛ حينما اصطدمت رأس أحدهم بأحد الحجارة , فأحس بدوارٍ في رأسه , و زغللة بعينيه . و كلما ضرب رأسه مجدداً بالحجارة ؛ رأى وميضاَ , بل يكاد يجزم ؛ أنه شاهد النجوم فـي منتصف النهار , و سمع زقزقة الطيور ؛ رغم عدم وجود أشجار . من هنا طرأت تلك الفكرة الجهنمية في رأسه بعد أن تورمت من كثرة الكدمات .. (ماذا لو ضربت حجراً بحجر آخر .. و انتظرت نتيجة ما يحــدث ..؟! )
هكذا .. و بعد ملايين المحاولات استطاع ذلك العبقري أن يشعل تلك النار - التى ليست لها أي علاقة بالموضوع الذي نتحدث فيه - اللهم إلا أنها بالطبع كانت ثورة تكنولوجية هائلة , تعلم على إثرها الإنسان طهي الطعام , و أصبح أحد أهم واجبات الزوجية .. و أهم أسباب الشجار بين الرجال و النساء ..!!
.. بالتأكيد لم يكن يوجد أي خلاف حول من الذي يقوم بطهي الطعام - كما هو الحال الآن ..!!- ذلك لأن الرجل كان دائم الغياب عن المنزل ـ أقصد الكهف ـ يقضي جل وقته في القفز بين الأشجار , و الركض وراء الغزلان , و مصارعة الوحوش الضارية , و مشاركتهم طعامهم ؛ إلى أن أحس ذات يوم , و هو يفترس أحد الحمير الوحشية ؛ بألم في أسنانه , فذهب إلى الكاهنة العجوز التي تعدى عمرها مئات السنوات . و كانت خبرتها كبيرة في كل الأمراض ؛ لأنها تعاني من كل الأمراض تقريباً ..!! و لا يوجد لديها أية أسنان علي الإطلاق ؛ لذلك تحاول جمع بعض أسنان مرضاها , لتستخدمهم في صناعة طاقم أسنان بدائي لها . تستعمل بعض الحجارة المدببة في خلع الأسنان . نظراً لضعف نظرها ؛ كثيراً ما كانت تخلع بعض الأسنان السليمة في محاولاتها المتعددة لخلع السن التالفة - بالطبع هذا لغرض في نفس بنت يعقوب..!!-
..- المهم لن أطيل عليكم - اكتشف الرجل أن طهي اللحم يجعله أسهل في المضغ , و البلع , و ألذ في الطعم . من هنا بدأت الحكاية .. أصبح الرجل يصطاد الطعام , و المرأة تقوم بطهيه . تتجمع الأسرة في المساء حول الطعام . الرجال يأكلون أولاً , ثم بعد ذلك النساء , و الأطفال يأكلون ما تبقى من اللحم حول العظام . لذا كانت النساء - لخبثهن - لا يطهين اللحم جيداً ؛ حتى يجدن الكثير منه . و توارثت النساء تلك العادة السيئة .. حتى الآن ..!!
.. كان يتحتم على الرجل الذهاب يومياً للصيد ؛ ليسد تلك الأفواه الجائعة , و يكون الطعام طازجاً, و إلا فاحت منه رائحة الجيفة فى نهاية اليوم ؛ خاصة الأسماك ؛ لكن ذلك لم يكن يمنع النساء , و الأطفال من أكله , و برعوا في ذلك أيما براعة . فصنعوا منه ما يعرف في هذا العصر بـ(الفسيخ ) - هذا دليل على الأصول التاريخية للفسيخ منذ العصور الحجرية ..!!-
.. كانت المرأة تتفنن في صنع المشاكل اليومية كعادتها ؛ خاصة عندما يعود الرجل مهدوداً , مكدوداً . قد خارت قواه , لا يقوى على الحراك , أو العراك , كل أمنيته في الحياة .. النوم ..!! لأنه لو كان فى حالته الطبيعية لشج رأسها بقطعة حجر صوان , أو قذفها بعظمة ديناصور .أما في تلك الحال كان يكتفي مثل كل الأزواج ؛ بالصمت الحكيم , و الخرس الزوجي العقيم , فعلي الرغم من أن الرجل في العصر الحجري. كان ضخم الجثة كالفيل , عريض المنكبين كثيف الشعر كالغوريلا . يزأر كالأسد الجائع . و يثور كالثور الهائج ؛ إلا أنه فى البيت كان كالحمل الوديع . لا يستطيع أن يهش ذبابة عن أنفه ؛ بعدما استأنسته زوجته , و روضته . مثلما روض هو الحيوانات جميعاً ؛ إلا المرأة .. ذلك المخلوق الداهية , الناعم نعومة الحيات السامة , الوديع وداعة اللبؤة ؛ قبل أن تنقض على فريستها , الرقيق رقة التماسيح , و هي تزرف الدموع شفقة على ضحاياها ؛ قبل أن تبتلعهم ..!!
لذلك أصيب هو أيضاً بأمراض القلب , و ضغط الدم , و السكر , و جلطات المخ , و الاكتئاب , و اللمباجو , و عرق النسا ؛ كما اتضح من الحفريات و الممياوات التي تم العثور عليها فيما بعد ..!!
.. هيا بنا نحاول أن نعيش مع أسرة حجرية ـ عفواً .. أقصد من العصر الحجري - معاناتها اليومية . مصحوباً بترجمة فورية باللغة العامية المصرية . فلا نعلم حتى الآن بأي لغة كانوا يتكلمون .. اللهم إلا بضع صرخات , و تأوهات تشبه اللغة الصينية ..!!






(2)

..أسرة مكونة من زوج , و زوجة , و جدة عجوز , و تسعة عشر طفلاً . بالطبع لم يكن عُرف تنظيم الأسرة فى ذلك العصر , وإلا زاد العدد عن ذلك بكثير..!! هذا بالإضافة إلى عدم اكتشاف الكهرباء و اختراع التليفزيون , فلم يشاهدا بعد أحد تلك الأفلام الأثرية , و البرامج المملة ؛ التى تدفع الجميع إلى النوم مبكراً ..!!


ما إن دخل (دوش ما) إلى مدخل الكهف حاملاً على كتفه الغنيمة التي اصطادها من الجاموس الوحشي ؛ حتى قابلته زوجته بالسؤال التقليدي :
ـ كنت فين بقالك تلت أيام يا سبع البرمبة ..؟!
أجابها ملقياً (الجاموسة) تحت قدميها , حتى كادت تسقطها أرضاً :
ـ كنت باصطاد الأكل .. إللي تطفحوه ..!!
نظرت بازدراء - إلى الصيد السمين- و قالت مستهزئةً :
ـ ياما جاب الغراب لأمه ..!!
استيقظت المرأة العجوز عند سماع إسمها , و هتفت :
ـ إيه إللي يخليكي تجيبي سيرة أمه.. يا صرما يا بنت هرما ..؟!
التفتت إليها فجأة , و نظرت لها شذراً , و قد اشرأب حاجبيها . ثم صرخت فيها بصوت جهوري:
ـ جرى إيه .. يا شيحا يا بنت قيحا .. هو أنا معرفش أتكلم مع جوزي شوية ..؟! نامي .. نامت عليكي حيطه ..
ملحوظة(1) : هذا ليس نوع من السب العلني .. بل هي اسمائهما و أسماء والدتيهما فعلاً ..!! فلم تكن لتلك الأسماء نفس المعاني الموجودة في عصرنا هذا ..!! و كانت الأولاد تلقب بأسماء أمهاتهم .. ذلك للأحوط .. فلم يكن الأب معروفاً في الكثير من الأحيان ..!!
هنا زأر (دوش ما) قائلاً :
ـ و الله عال .. الواحد مبقاش له هيبه فى البيت ده .. والا إيه ..؟!!
..استيقظ كل من بالبيت .. و علا صراخ التوأم (حادى و بادي) آخر العنقود .. و ربما لا يزال في العنقود بقية ..!!
فهتفت (صرما) بغضب :
ـ شفت ..؟! أديك صحيت الأولاد .. إبقى قابلني لو ناموا تاني النهاردة .. و وريني هتعرف تنام إزاي ..؟!
قال (دوش ما) في أسى مستعطفاً:
ـ يا وليه حرام عليكي .. أنا جاي مهدود من الغابه ..و عايز استريح شويه .. علشان بكره عندي مأموريه.. في الجهة الجنوبيه.. رايحين ندور على بير ميه ..!!
صرخت في هيستريا:
ـ طب و أنا أعمل إيه ..؟! مانت سايبني طول النهار في المورستان لما قربت علي الجنان .. وبعدين بنتك جزما كمان .. قال إيه جاي لها عرسان .. و مش عارفة هنجهزها منين..؟! و البيت لا فيه فروه .. ولا حجر صوان ..؟!!
هنا تطاير الشرر من عيني (دوش ما) و زأر مرة أخرى قائلاً باستنكار :
ـ عرسان ..؟! و دول شافوها فين ..؟! وقعتها سودة الجزما بنت الصرما .. أنا مش قلت لك البنت دي ما تخرجش برة ..؟!
صنعت بحاجبيها حرفي ثمانية و ثمانين , ثم نظرت إليه من أخمص قدميه حتى مفرق شعره قائلة:
ـ حيلك .. حيلك .. إنت شادد حيلك قوي علينا كده ليه ..؟! فيها إيه لما راحت تجيب لنا حبة عضم .. من عند خالتها أم درمان ..؟!
أجابها ثائراً :
ـ و كمان راحت عند درمان .. أنا مش منبه ما ترحش هناك ..؟! دا راجل عينه زايغه ..و متجوز عشر نسوان ..!! غير إلي ما نعرفهمش كمان .. دا ما بيعرفش ولاده من بعض .. وعمر ما شّكر فيه حد ..!!
قالت (صر ما) متعجبة , و قد جعلت يديها في خصرها :
ـ و ماله بقه درمان .. راجل مليان ..و عنده قطيع خرفان .. و صحته تمام .. و عايش و لا السلطان .. أنا خلاص وعدت أم درمان .. و ادتها الخشبة كمان ..!!
ملحوظة (2): كان الزواج في الماضي بالخشبة .. فلم يكن اخترع بعد المأذون .. أو الشبكة .. أو المهر .. و الموبيليا ..أو الموبايل .. و التكييف .. و النجف .. و السجاد ..و الكتشن ماشين .. لذلك كان بإمكان الرجل أن يتزوج المئات ..!!
هنا انتفض (دوش ما) غاضباً ,و صرخ قائلاً :
ـ هيا حصلت تديها الخشبه من ورايا ..؟! أنا خلاص قاعد في البيت دبشه .. من غير لزمه ..؟! و الله مانا قاعدلك في البيت تاني .. و لا هوريكي وشي..!!
قالت باستهزاء ساخرة:
-مع ألف سلامه .. الباب يفوت فيل .. الكهف دا بتاعي أنا و ولادي..!!
فهب مسرعاً , و الشرر يتطاير من عينيه ..ثم ذهب إلى ركن قصي في الكهف , و أزاح حجر كبير عن مكانه , إذ بحفرة أسفله . فأخرج قطعة من فرع شجرة يابسة , و قال في حنق , و هو يضغط علي أضراسه:
ـ و ادي خشبتك كمان أهيه ..
و كسّر فرع الشجر إلى ثلاث قطع صغيرة ..!! ثم حمل أمه على ظهره , و مضى إلى حال سبيله ..!!


الحلقــــة الثانيــــة



العصـر الفرعـوني


.. ورد في أحدى البرديات المصرية القديمة ؛ نصّاً لصك الزواج الفرعوني . حيث قالت مدام ( رع ) لزوجها ( سي رع ):
ـ أي زوجي العزيز .. بوصفي زوجتك .. و أم أولادك .. من حقي كــل ممتلكاتك ..!!
ليست الشقة فقط ..!! كما في قانون الأحوال الشخصية الجديد - فالمرأة الفرعونية كانت مفترية..!!-
.. و كانت الأم الفرعونية تجيد تمثيل دور الحماه إلى درجة نيل جائزة ( أوسكـار ) ـ الذي يشبه إلى حدٍ بعيد صورة ( هامان ) كبير الكهان في سالف العصر والأوان- لذا كان عند الفراعنة عادة غريبة ..!! ألا و هي زواج الأخ لأخته . ربما خوفاً عليها من أن تقع فى يد رجل غريب يسيئ معاملتها . أو ربما لتضمن أمه ألا تعطي ابنها لامرأة أخرى , لا تستطيع أن تلطمها على وجهها ؛ إذا فكرت ذات يوم أن ترطن لها بالفرعوني :
ـ أنا ست البيت .. و ما حدش له كلمه عليا .. و هاروح أقعد عند مامي .. لحد ما جوزي يشوف له صرفه فيكي ..!!
كما ورد إلينا في الأثر . قصة جدتنا ( كليوباترا ) حين ضحكت على ( يوليوس قيصـر ) , و تزوجته كي تستولي على كل ممالكه ؛ بعدما خشيت أن تخسر الحرب معه , و تفقد كل شىء..!! ثم أوقعت ( مارك أنطونيو ) عدوها في حبائلها ؛ بعد أن هزم ( يوليوس ) . و لولا أن من أتى بعد ( مارك ) كان متزوجاً من امرأة قوية الشكيمة , شديدة الغيرة , صعبة المراس , لأصبح الزوج العاشر لمدام ( كليوباترا ) . و ما اختارت لها تلك الميتة الشاعرية , مستخدمة ثعبان الكوبرا . حين عضّ ثديها ؛ ظناً منه أنها كوبرا أخرى , تريد افتراسه ..!! .




(2)

.. هيا بنا نتابع الآن هذين الخطيبين , في أحدى الرحلات الخلوية على أحد الجداول النيلية ..
قالت بدلال:
ـ و بعدين يا سي نفرو ..!! إحنا هنفضل كده مخطوبين أكتر من ست سنين ..؟!
أمسك بيديها - في رقة - قائلاً :
ـ طب أعمل إيه يا تيتي .. يا حياتي ..؟! ما هو أبوكي نارو هو السبب ..!! طالب مني مهرك هرمين .. و تلت مسلات .. و تمثال بالحجم السوبر له .. و لأمك ..!!
سألت , و الحزن بعينيها :
ـ طب إنت إيه إللي منعك يا حبيبي ..؟!
أجاب ؛ و هو في غاية التأثر :
ـ رجل أبوكي كبيرة قوي يا تيتي .. بقالي ست شهور باعمل فيها .. و لسه ما خلصتش ..!! و أمك كمان .. تخينة جداً ..!!
أردفت سائلة في وداعة:
ـ طب .. و المسلات يا روحي ..!!
أشار بيده تجاه الجنوب قائلاً :
ـ أهوه .. بعت أجيب حجر جرانيت من أسوان .. و لحد دلوقتي لسه ما جاش ..
اطرقت برأسها في أسى , و قالت هامسة:
ـ و الهرمين يا نور عيني ..؟!
زفر فى ضيق قائلاً:
ـ أنا شغال فيهم بإديه .. و رجليه .. لكن إيه لزوم الهرمين ..؟! ما كفاية هرم واحد ..!!
قالت , و الشرر يتطاير من عينيها :
ـ نعم ..؟! إنت بتستعبط ..؟! إنت عايز الناس تقول علينا إيه ..؟! دانا بنت خالتي شيتا جوزها عنده ست أهرامات .. و تسع مسلات .. و معبدين .. و ابن خالي خروفو .. هيعمل لعروسته هرم .. و لا هرم ابن عمه خوفو .. و بنت خالة أمي …
قاطعها بإشارة من يده , كاتماً أنفاسها , و هو يقول في حنق:
ـ بس .. بس .. خلاص .. إنتي هتقوليلي الموشح بتاع كل مرة .. خلاص .. أنا حفظته ..
ثم قال بتردد ؛ مستعطفا إياها:
- أنا بس كنت باقول.. لو هرم واحد كفاية ..!! دا أنا حتى عامل فيه غرفة دفن .. تشرح القلب ..
قاطعته بحدة قائلة :
ـ لا يا حبيبي .. أنا عايزه هرم لينا .. و التاني للأولاد ..!!
ثم اخذت تبكي , و تلطم وجهها , و تندب حظها قائلة:
- إشمعنا أنا يا ربي .. ما كل الناس بتتجوز رجالة عندهم مسلات .. و أهرامات .. وقعت أنا من قعر القفة ..؟!!
سألها غاضباً :
ـ إنتي طالعة فيها على إيه إنتي .. و أبوكي ..؟! أمال لو كنت إتجوزت بنت فرعون ..!! أكيد عمره ماكان هيعمل إللى إنتـوا عملتوه ..؟! دا أنا و هيا .. كنا زملا .. في الروضة سوا .. و كانت بتحبني جداً .. بس أنا إلى إنتصيت فـى نظـري .. و اخترتك ..!!
زمجرت غاضبة:
ـ إحنا هنلبخ ..؟! طب مانا ياما جاني عرسان ..
قاطعها قائلاً بسخرية:
ـ أيوه عارفهم واحد واحد .. مش جالك كبير كهنة التحنيط .. إللي كانت ريحته نشمها من أول الغيط .. والا مدلك فرعون .. إللى كان شكله و لا البنات .. و الا تاجر الجرانيت إللى كان متجوز قبلك عشر ستات .. و كان أبوكى موافق على كل دول .. وعايز يخلص من قرفك بالذات .. لولا إنه كان بيبالغ في الطلبات .. و موضوع الهرمين .. و التلت مسلات .. و كله كوم .. و مقاس رجل أبوكي كوم ..!!
فجأة قامت ( تيتي ) منتفضة , و قذفت بنفسها في النيل .. فهاج النيل و ماج , و أغرق البلاد ؛ بما يعرف بالفيضان . فكانت هذه هي أول عروس نيل في الزمان , و من بعدها أصبح يُجرى هذا الاحتفال كل عام . فيُلقى فيه بعروس غضب عليها العرسـان ..‍‍!!

الحلقـة الثالثـة


العصـر الروماني


.. كان عند الرومان (مورستان) اسمه الحرب مع الجيران ؛ سواء كانوا يونان أو غير يونان فيرتدون ملابس ممزقة - كالشحاذين - يحملون سيوفهم يجوبون بها البلدان - كي يقال عنهم شجعان - فإذا ما قتلوا تترمل زوجاتهم , بعدما تكون قد حصلت على لقب (مدام ) . أو يصابوا في الحرب بعاهة , و يصبحون فى خبر كان ؛ لا يصلحون إلا تمثال في الميدان , أو ( بارافان ) ..!! و قد يعود منتصراً فرحان فيجد زوجته قد هربت منذ ردح من الزمان ..!! أو خانته مع ابن الجيران .



و سنلتقي الآن مع أحد هؤلاء الرومان الشجعان , و زوجته الجميلة ( آن ) ..

قالت باكية:
ـ لوران .. إنت برضك ماشي يا لوران ..؟!!
أجاب في غاية الفخر :
ـ طبعاً يا آن .. أنا رايح أجيب المجد للرومان ..
صرخت من الغيظ , و القهر. قائلة :
ـ و أنا أعمل إيه بالمجد ده ..؟! هيأكلني ..و الا هاحطة بروش في الفسـتان ..!! و الا هيونسني لغاية ما أنام ..!!
قهقه بصوت عال قائلاً :
ـ دى حاجه ما تفهموهاش إنتم يا نسوان .. الرجالة اتخلقوا علشان يبقوا فرسان ..
قاطعته قائلة :
ـ و الست مكتوب عليها تعيش بين أربع حيطان .. تقعد تعد الشهور والأيام .. تستنى فارسها الهمام لما يرجع من الميدان .. كسيح خلصان .. أو تترمل قبل الأوان .. والله دا حرام ..!!
أجابها قائلاً :
ـ يا شيخة إنتي متشائمة كده ليه ..؟!! إن شاء الله هرجع لك منصور .. و أجيب لك عقد بنور .. و دهب .. و عطور ..
قاطعته للمرة الثانية قائلة :
ـ أنا مش عاوزة حاجه .. أنا عاوزاك إنت .. تقعد جنبي .. تراعيني.. و تحميني من المستخبي .. تراعي مصالحي.. و أرضي ..
ضحك ساخراً :
ـ و الله عال .. عايزاني أقعد جنبك .. أحط إيدى على خدي .. زي ابن خالتك إندي ..
أجابته مستنكرة :
ـ ماله إندي ..؟!! دا في رأيي أعقل واحد في البلد دي ..
قاطعها قائلاً فى غضب:
ـ آه مانا عارف إنك معجبة بيه .. و إنه كان عايز يتجوزك قبلي .. لكن دا بعدك يا ستي .. أنا لازم ألاقي له طريقة قبل ما أمشي .. وإلا هاقتله بيدي ..
و انصرف مهرولاً , ممسكاً بسيفه في نطاق حول وسطه . و صفق الباب خلفه .
أما ( آن ) فسقطت على الأريكة تبكي .ثم فجأة انتفضت واقفة , و صرخت منادية خادمتها:
ـ كرستين ..
قدمت إليها مهرولة . فقالت لها ( آن ) في لهفة :
ـ روحي الحقي المسكين إندي ابن خالتي .. أحسن المجنون لوران يقتله في الميدان .. و يروح فى خبر كان .. و يتحكم عليه بالإعدام ..
أجابتها (كريستين) فى سرعة :
ـ تحت أمرك يا مدام ..
و ذهبت فى الحال .. و بعد قليل من الوقت . رجعت (كريستين) , و بصحبتها (إندي) ذلك الفتى القصير السمين . و هو يرتدي عباءة تشبه ملاءة السرير. يتهته كعادته قائلاً :
ـ إن إن إنتي عو .. عو .. عوزا .. عوزاني ف فـ ـف في إيه يا يا يا آن ..؟!!
أمسكت بيده قائلة :
ـ إندي .. أنا عوزاك تستخبي لحد ما اليوم ده يعدي .. و لوران يمشي .. و بعد كده ابقي تعالي أقعد عندي ..
و هنا ظهر (لوران) بجوار الباب قائلاً :
ـ الله الله يا مدام ..!! هيا حصلت تجيبي عشيقك هنا كمان .. مش قادرة تستني حتى لحد ما أمشي ..؟!!
هنا سقط ( إندي ) علي الأرض من الخوف .. و أخذ يصرخ :
ـ هو .. هو .. هو ف ف ففي إيه ..؟!!
قاطعه ( لوران ) ,شاهراً سيفه قائلاً:
ـ بطل هو هوه .. دا هيكون آخر يوم في حياتك .. ياله اتشاهد على روحك ..
و وضع سيفه على رقبة ( إندي ) , بينما هو جاثي على الأرض يبكي .




(2)

..هنا صرخ رجل أشيب الشعر , يرتدي (باروكة). و يمسك بملاءة سرير أخرى في يده :
ـ لوران .. إيه الهبل إللي إنت بتعمله ده ..؟!!
اضطرب (لوران) , و نزع سيفه عن عنق (إندي) قائلاً :
ـ عمي .. أنا لقيته قاعد في بيتي مع الست حرمي ..!! إزاي أآمن أمشي بعد كده و أسيبه يلوث شرفي ..؟!!
أجابه الرجل قائلاً :
ـ يعني خلاص مافيش إلا إندي ..؟!! إنت اتهبلت خالص و الغيرة عمتك .. و لا عدت بتعمـل حساب لعمك و لا عمتك ..!!
زحف (إندي) على يديه.. و ركبتيه حتى وصل للباب وفر هارباً . و سار (لوران) غاضبا ًمع عمه إلى حجرة مجاورة .. و أخذت ( آن ) تبكي مجدداً .. و قال (لوران) لعمه :
ـ يا عمي أنا مش هاقدر أمشي و أسيبها كده .. ممكن تخني مع إندي أو غير إندي ..!!
قاطعه الرجل قائلاً :
ـ إيه إللى إنت بتقوله ده يا لوران ..؟! إنت ناسي إن دي بنتي ..!!
أجابه باسماً:
ـ لأ يا عمي .. أنا مش ناسي .. لكن إنت إللي ناسي.. إللي عملته مرات عمي.. لما هربت مع خادمها الزنجي ..!!
بان على الرجل التأثر الشديد لحظة, ثم قال فى حزن :
ـ ما تفكرنيش .. و ما تجبش السيرة الزفت دي تاني ..
أجابه ساخراً :
ـ أنا آسف يا عمي .. لكن ده من غلبي .. قولي أعمل إيه بس يا عمـي ..؟! يعني أسيب شغلي و طموحي و مجدي .. علشان أحرس المحروسة بنت عمي ..؟!!
نهره قائلاً :
ـ إتأدب يا ولد .. إنت ناسي إن أنا موجود .. و الا إيه ..؟!!
أجابه مستهزئاً :
ـ يا عمي أنا مش قصدي .. بس إنت مشغول كمان عني .. في مجلس الحكمة .. و بتقعد من شرب الخمرة مسطول علطول ..
زجره مرة أخرى :
ـ و بعدين يا ولد .. إنت ما حدش مالي عينك ..؟!!
أجابه فى تحد :
ـ لأ يا عمي ..!!
و استدرك قائلاً :
ـ قصدي إنت الخير والبركة .. لكن أنا بافكر في حاجه تانية تضمن لي إن مراتي ما تبقاش خاينة ..
سأله عمه مستفسراً :
ـ زي إيه ..؟!!
أجابه (لوران) :
ـ أنا اتفقت مع أنطوان الحداد .. ييجي ياخد المقاسات ..
قاطعه عمه قائلاً :
ـ حداد إيه و مقاسات إيه ..؟! إنت ناوي تحبسها في سجـن ورا القضبان ..؟!!
أجابه ضاحكاً :
ـ حاجه زي كده ..!!
أشاح عمه بيده قائلاً :
ـ لا .. لا .. إنت خلاص إتجننت رسمي .. إنت عاوز تحبس بنتي ..؟!!
ضحك (لوران) مرة أخرى قائلاً :
ـ لا يا عمي لا سمح الله .. أنا هافصّل لها فستان ..!!
تعجب عمه - و هرش في الباروكة - قائلاً :
ـ تمام .. هتفصّل لها فستان .. وعلشان كده جبت لها أنطوان الحداد .. دا كلام جنان ..!!
قاطعه قائلاً :
ـ أنا هفهمك يا عمي و أمري لله .. أنا هافصل لها قميص حديد يتلبس تحت الفستان .. وعمره ما هيبان و أقفله بقفل كمان .. و ساعتها أقدر أسافر بأمان و أنا فى غاية الاطمئنان ..إن شرفي منصان ..
قاطعه عمه :
ـ يا سلام ..!! و إذا المدام حبت تدخل الحمام ..؟!!
ضحك (لوران) قائلاً :
ـ كل حاجه معمول حسابها تمام ..
و قد كان ما كان .. و صنع (أنطوان) ذاك الفستان - الذي أخذ شهرة عالمية فى سائر البلدان .. و صنعه أغلب الرومان .. و أسموه نطاق العفة .. و أصبحت العروس ترتديه إلى يوم الزفة .. فيسلم الأب المفتاح إلى العريـس ليلة الدخلة -
.. عاد (لوران) بعد عدة أعوام ذات ليلة و الناس نيام . دخل بيته فى الظلام , و صعد إلى غرفة نومه . ما أن فتح الباب حتى ارتطمت قدمه بشئ صلب ؛ و انكفأ على وجهه . فانتفض واقفاً , و أخذ يصرخ :
ـ آآآن .. آآآآن ..
و لم يجدها حتى الآن . و هام على وجهه في الشوارع بعد أن أصابه الجنان . عندما عرف أنها هربت مع (أنطوان) ..!!

الحلقـة الرابعـة

العصــر الجـاهـلي

.. أما الزواج في العصر الجاهلي فكان إجباري لا اختياري ..!! فعلى الرجل التزوج من بنات أعمامه - عكس السائد في هذه الأيام ؛ أن يتزوج من بنات خالاته ..!!- التي ربما لا يكون قد رآها طوال حياته ؛ اللهم إلا يوم ولادتها . هذا إذا لم يتم وأدها . كانت هذه العادة منتشرة فى ذلك الزمان . و لا ندري إذا ما كانت استمرت إلى الآن . ما كان سيؤل إليه الحال ..؟!! هل كانت ستنصلح الأحوال ..؟! أم ماذا كان سيفعل الرجال فى مشكلة إنجاب الأطفال ..؟!!
المهم على كل حال . كانت ابنة العم تشبه إلى حد كبير أبيها . و هذا كان سبب الغم الذي ينتاب العريس . فيحتسي الخمر حتى ينقضـي الأمر ..!! و يذهب إلى حال سبيله لسباياه و ما ملكت يمينه . فكان لهم في الرقيق الأبيض من الأروام و الشوام و بنات العم ( سام ) , العزاء بعد كل ذاك العناء الذي كان .
.. لنتابع ما جرى في ذلك اللقاء بين أحد النبلاء , و جاريته الحسناء . نظر إليها بعينين والهتين , و اقترب منها قائلاً :
ـ بوسة ..!!
ـ هذا هو دلع اسم بثينة ـ
- لم كل هذا الدلال ..؟ فقلبي إليك قد مال .. و لقد اشتريتك بألف دينار .. بعدما سحرني ذاك الجمال .. لكن صبري طال .. و لم يعد عندي طول بال .. أو قدرة على الاحتمال .. فإما أن تنصاعي لي في الحال .. أو أعيدك ثانية إلى النخـاس برمبـال ..
أجابت و الدموع تترقرق في عينيها :
ـ مولاي وهران .. لقد كنت في يوم من الأيام أجري في البستان .. أقطف التفاح و الرمان .. في بلدي على حدود الشام .. فهجم عليّ لصوص لئام .. وغموا عيني باللثام .. وإذ بي بين يوم و ليلة .. أصبح جارية بلا حيلة ..و تريد أن تدخل بي هكذا.. بدون علم القبيلة .. يا أخي جتك نيلة ..!!
صرخ فيها قائلاً :
ـ واضح إن الفصحي مش نافعه معاكي ..و هتبتدي تلبخي بالعاميه .. يا وليه يا قليلة التربيه .. الحق عليا إني فضلتك على ثريا الروميه ..
أجابته قائلة بتحد:
ـ عارفه إنك عندك بدل الواحده .. ميه ..!! لكن عمرك ما هتدخل عليا .. إلا لما تعتقني .. و تتجوزني .. و أعرف طعم الحريه ..
قال بحنق:
ـ إزاي يا وليه .. إنتي مش عارفة إني متجوز رزيه .. و إن قوانين القبيله العرفيه .. إني متجوزش غيرها هيه .. و إنك لو ولدتي ولد .. تبقي حره ..و ما عدتيش تبقى جاريه ..
قاطعته قائلة :
ـ طب لو جت بنت ..؟!
نهرها , و الشرر يتطاير من عينيه قائلاً :
ـ يا نهار أبوكي إسود .. دا يبقى آخر يوم في عمرها وعمرك .. هيا حصلت كمان تجيبي لنا جارية تانيه .. يجري وراها الجدعان .. و تجيب لنا العار و خراب الديار ..
نظرت إليه باستهزاء , و قالت ساخرة:
ـ طيب يابو الرجال .. ما مراتك ست الحسن و الدلال .. ما خلفتش لك ولاد .. و كل إللي جابتهم سبع بنات ..!!
قاطعها قائلاً بفخر :
ـ و ماله .. ما هي حره بنت حره .. و بنت عمي شيخ القبيله .. و بناتي هيبقوا زينة البنات ولا الأميرات ..
أجابته ضاحكة :
ـ إنت ما فهمتش قصدي يا سبعي .. أنا قصدي إن الراجل هو المسئول عن نوع الولاد .. بدليل إن كل إللي خلفوا منك كان كلهم بنات .. فاشمعنا أنا إللي هاختلف عنهم بالذات .. و ساعتها هيبقى مصيري .. زي مصير كل إللي ضحكت عليهم من الستات ..
فأسقط في يده , و لم يدر ماذا يقول لها . فأمسك بكأس الخمر , و شربها جرعة واحدة . ثم خرج من خيمتها يجر أذيال الخيبة . و وجهه محتقن من إثر الخمر و الغضب ..!!



(2)


.. ذهب إلى داره ؛ فوجد زوجته في انتظاره :
ـ إنت جيت يابو قردان .. طبعاً جاي تعبان وعايز تأكل و تنام .. ماهو إنت أصلك فاكرني جارية من جواريك .. و الله إنت خسارة الأكل فيك ..!!
زفر بضيق قائلاً :
ـ و بعدين يا رزية ..؟!! هيا الحكايه.. نقصاكي يا وليه .. أنا فيا إللي مكفيه ..!!
قاطعته قائلة :
ـ فيك إيه .. و عليك إيه .. إنت جاي بدري النهاردة ليه ..؟!! ما حدش رضى بيك .. والا إيه ..؟!!
ثم قهقهت بصوتها الأجش ؛ الذي يشبه صوت عمه شيخ القبيلة . فنظر إليها باشمئزاز قائلاً :
ـ ما هو كله منك .. ما هو شكلك يغم النفس .. و يقصر العمر ..وعيشتك هم ..وغم .. يا بنت العم ..
قالت ساخرة :
ـ طب إنت إيه إللي جابرك ..؟!! ما تطلقني كده لو كنت راجل .. و الا إنت بس بتاع كلام على الفاضي ..؟!!
نظر إليها , و الشرر يتطاير من عينيه الحمراوتين . ثم انتفض واقفاً , و زمجر قائلاً:
ـ طب روحــي .. و أنت .. طول عمر لسانك متبري منك .. هاتي الأكل جتك رزيه .. و ابعتي سطل الميه .. مع ثريا الروميه ..

العصــــر الحــــالي

أما في عصرنا الحديث .. فالحديث شرحه سيطول . فلكل بلدٍ طقوس و شئون . بل داخل كل بلد تختلف الأمور . ما بين الريف و الحضر . لذا سنتطرق لذلك الأمر بالمفيد المختصر .. ولنبدأ بمصر المحروسة . و لنرى كيف يختار العريس العروسة .


الحلقة الخامسـة


الزواج في الريـــف



أولاً في الريف المصري . تلعب شخصية الداية دوراً رئيسياً في كافة شئون الزواج و الحياة . فهي تقوم بدور المولدة , و بدور الخاطبة الموددة - المؤلفة بين طرفي الزواج – و المعددة - في حالات الوفاة - في أوقات الفراغ . بل هي طبيبة القرية لعلاج كل الأمراض ؛ من المرارة , و الكلى , و الطحال . لكافة الأمراض العضال حتى الإجهاض ..!!


و سنلتقى بتلك الأسرة الذكية . داخل القرية المصرية . الزوجة (مسعده) الداية المولدة , و الزوج (عبدالعال) حلاق الرجال , و الحمير , و البغال ..!!
هيا لنقترب أكثر , و ندخل إلى غرفة نومهما مع أول شعاع شمس يدخل من النافذة . تثاءبت (مسعده) قائلة , و هي تهز زوجها هزات عنيفة :
ـ إصحى يا راجل.. الساعة بقت سته ..
تململ (عبدالعال) , و أشاح بوجهه عنها قائلاً:
ـ نامي يا شيخه .. إنتي متسربعه على إيه ..؟ يعني وراكي الديوان ..؟!!
لكمته بعنف في كتفه قائلة :
ـ قوم يا كسلان .. افتح الدكان .. جايز يجيلك كام عيان .. و الا حد تحلق له .. أو طهارة كمان ..
أجاب (عبدالعال) , و هو يتمطى :
ـ هو فيه حد بيصحى دلوقت .. دول بيسهروا قدام الدش للفجر ..و بيناموا لحد الضهر ..!!
قاطعته (مسعده) قائلة :
ـ هو فيه حد عيان بينام .. إنت إللي بس خيبان ..
انتفض جالساً على السرير ,و قال غاضباً:
ـ ليه بس طولة اللسان يا بنت الحلال ..؟!
نهرته قائلة :
ـ عبد العاااااال ..!!
انكمش مرة ثانية قائلاً :
ـ خلاص .. خلاص .. بدل ما تفتحي ليا الموال .. بتاع كل مره ..
قالت (مسعده) , و هي تمصمص شفتيها :
ـ ما هو إنت السبب .. لو كنت عرفت تجيبلي حتة عيل .. كان ملى عليا البيت ..و كنت بقيت زي بقية الستات.. إللي بولدهم .. صبيان و بنات كل يوم .. و إنت قاعد زي قلتك في الدار .. مش عارف تجيبلي حتة صرصار ..
قاطعها قائلاً بحنق :
ـ يا سلام .. يا سلام .. و اشمعنا ما يكنش السبب منك يا مدام ..؟!!
صرخت فيه قائلة :
ـ ليه أنا فيا إيه ..؟! ما أنا كويسة أهه قدامك .. و أعرف كمان أعالج ..إللي ما بتخلفش من النسوان ..
ضحك قائلاً :
ـ الله .. إحنا هنضحك على بعض .. ما قلت لك نروح لحكيم بجد ..!!
قاطعته قائلة :
ـ طب أقعد ساكت .. إنت بس عاوز تداري خيبتك .. إللي ما وردت على حد ..
هب واقفاً ؛ يرتدي جلبابه قائلاً :
ـ والله ما أنا قاعد لك في البيت .. يا مسعده يا أم ..!! الملافظ سعد ..!!
و صفق الباب خلفه , بينما يهمس في سره بالشتائم , و اللعنات .






(2)

..أخذت (مسعده) تحدث نفسها :
ـ آآآه .. ما هو أنا حظي كده .. إني أتجوز راجل ما بيخلفش .. و أنا ساكته .. و صابره ..و راضيه .. و يتولد على إديا عيال البلد كلها .. و ما يكنش ليا حتة عيل ..؟!!
وأخذت تبكي إلى أن سمعت طرقات على الباب. فهتفت قائلة :
ـ ميييين ..؟!!
أجابها صوت قائلاً :
ـ أنا خالتك أم إسماعين ..
قامت مهرولة , و مسحت دموعها بأصابعها . ثم فتحت الباب في سرعة قائلة :
ـ أهلاً وسهلاً يا حاجه .. دا إيه النور ده ..!!
أجابتها السيدة المسنة :
ـ دا نورك يا مسعده يا بنتي .. أنا عوزاكي في خدمة عندي ..
أجابتها على الفور :
ـ أنا تحت أمرك ..!!
قالت بصوت خفيض:
ـ إنتي عارفة البت عنايات .. بنت إسماعيل ابني ..
قاطعتها قائلة :
ـ أمال ..!! دي زينة البنات .. اسم النبي حارسها ..
طأطأت المرأة رأسها , و هي تقول :
ـ الظاهر أن فيه حد ابن حرام ضحك عليها .. و بطنها كبرت ..و بان عليها ..!!
ضربت(مسعده ) صدرها , و قالت متصنعة اللهفة :
ـ يا نهار أسود ..!!
ثم استدركت قائلة في خبث:
- ماتخافيش يا خالتي .. سرك في بير .. و أنا هاعمل كل التدابير ..
أخرجت السيدة من صدرها شيئاً قائلة :
ـ خدي الكردان الدهب ده .. حلاوة الشغلانة دي ..
أمسكت الكردان الذهب في يدها , وهى تنظر إليه في جشع . ثم قالت:
ـ و النبي ما تكسفنيش يا خالتي .. دا أنا اخدمك بعيني.. و عنايات زي أختي ..
ثم خرجت السيدة العجوز مسرعة , بينما (مسعده) تحدث نفسها قائلة :
ـ والله عال يا عنايات .. هي حصلت البنات يحملوا .. و يقدروا على إللي مش قادره عليه الستات ..!!
ثم بدأت تجهز بعض الأدوات , كما أخذت معها بعض أعواد الملوخية لزوم العملية ..!!
وخرجت من دارها مسرعة ,و قالت محدثة نفسها :
ـ أروح الأول أولد الست تحيه .. و بعدين أروح لعنايات في العصريه ..
قابلتها سيدة متشحة بالسواد . فقالت لها (مسعده) :
ـ خييير يا أم سمير .. راحه على فين كده ..؟!!
أجابتها السيدة :
ـ إنتي مادرتيش .. مش عمك درويش.. تعيشي إنتي ..
قاطعتها (مسعده) بصرخات مدوية , و صويت , و عويل :
ـ يا لااااااهوي .. يا خرااااابي .. ماكنش يومك يا عم درويش ..
و ابتسمت , و هي ماضية . قائلة:
ـ عاااال .. الشغل النهارده مش بطال ..!!





(3)


..جلس (عبدالعال) أمام الدكان يحلق لأحد البغال . فاقترب منه رجل يحمل في يده أحد الأطفال الصغار . و ما أن رآه (عبدالعال) ؛ حتى قال مهللاً :
ـ أهلاً و سهلاً.. بسيد الرجال .. إتفضل .. إتفضل ..
و نفض شعر البغل عن يده , ثم دخل إلى الدكان , و أحضر موس الحلاقة , و قام بجسارة و مهارة بعملية الطهارة . ثم بعد ذلك عاد ليقص شعر حمارة . بعد قليل حضر إليه طفل صغير و سأله :
ـ و النبي يا عم عبدالعال .. تيجي تشوف أبويا عتمان .. لحسن عيان ..
أجابه عبدالعال في الحال :
ـ طيب يا بني.. بس هاخلص الراسين إللي عندي .. و أجيلكو بدري ..
فيما بعد ذهب (عبد العال) إلى منزل الحاج (عتمان) , و بيده حقيبة صغيرة , ثم طرق على الباب منادياً بصوتٍ عال :
ـ ياهلاله يالي هنا .. إزيّ الشيخ عتمان ..؟ أنا سمعت إنه عيان..؟!!
أجابه صوت خفيض من الداخل :
ـ إتفضل يا عبد العال .. أنا مستنيك بقالي زمان ..!!
دخل (عبد العال) إلى الحجرة . فقال له الرجل في الحال:
ـ أنا عاوزك تديني الحقنة دي ..
و أخرج كيساً مملوءاً بالدواء , غضب (عبد العال) لظنه أنه كان سيقوم بالكشف عليه , و وصف الدواء له ..؟!! لا أن يكون مجرد تمرجي ينفذ كلام الأطباء ..!! فنظر إليه معاتباً و زفر في ضيق قائلاً :
ـ الله هو إنت كشفت في البندر .. والا إيه يا حاج عتمان..؟!!
أجابه الرجل خجلاً :
ـ آآه .. و الدكتور قال إن القلب تعبان .. و محتاج لحقـن ..و أدوية ثانيه كمان ..؟!
ضحك عبدالعال ساخراً , و قال :
ـ جرى إيه يا راجل ..هو فيه حد بيصدق كلام الدكاتره ..؟! الموضوع ده مش محتاج لشهادات و مذاكره .. دي حاجه محتاجة بس لخبره ..!! و أنا شايفك عال العال .. و قلبك مش بطال..!!
ثم أمسك الحقنة بين اصبعيه بتأفف قائلاً :
ـ و دي حقنة أيه دي..؟!!
ثم استدرك قائلاً مدعياً الفهم - رغم أنه لا يعرف قراءة العربية ؛ لا الإنجليزية ..!!-:
ـ أيوه … أيوه.. دي حقنة مقويات .. و ماله مش بطاله برضك أديهالك ..مش هتضر..!! لكن أنا عندي لك وصفة ماحصلتش .. و لا تذكرة داوود بكره إن شاء الله أجيبهالك ..
تململ الرجل , و قال فى ذلة :
ـ بس إنت عارف إن الحالة اليومين دول مش ولا بد ..و لسه المحصول ما طلعش ..
قاطعه (عبدالعال)على الفور قائلاً :
ـ يا راجل إحنا بينا فرق .. ماهو كله على النوته.. لحد ما ربنا يفرجها..!!
ثم أعطاه الحقنة , و خرج من عنده مسرعاً إلى الدكان . بينما ذهبت (مسعده) إلى (عنايات) بعد أن انتهت مما كان بيديها من مسئوليات .. من ولادات .. إلى زيجـات .. إلى جنازات .. وجـاء الآن دور العمليـات ..!!



(4)

.. دخلت (مسعده) الحجرة على (عنايات) , و الأخيرة تبكي من الخوف قائلة :
ـ و النبي علشان خاطري يا مسعده.. تسيبيني .. أنا خايفه قوي.. و قلبي مقبوض ..و حسه إني هأموت..!!
نظرت إليها (مسعده) شامتة , و قالت محدثة نفسها :
ـ ما هو إنتي إللي عملتي في نفسك كده ..؟! حد قالك تفرطي في نفسك..!! و مين بقى يا هبله إللي ضحك علي عقلك ..؟!!
إلا أنها قالت لها في خبث :
ـ ما تخافيش يا زينة البنات .. بكره هاخليكي أحلى عروسه .. يتهبلوا عليكي العرسان.. هو فيه حد في جمالك في البلد .. دانا كنت واخده صورتك معايا ..علشان أوريها لابن العمده ..!!
زجرتها السيدة العجوز قائلة :
ـ مش وقته الكلام ده يا مسعده .. لما نخلص من البلوه إللي إحنا فيها الأول ..؟!!
ثم نظرت إلي (عنايات) بغضب قائلة :
ـ إنتي برضك يا بت .. مش عاوزه تقولي .. مين إللي عمل فيك كده ..؟!!
نظرت (عنايات) إلي (مسعده) في خوف , و لاذت بالصمت ..!! فشمرت (مسعده) عن ساعديها قائلة :
ـ ياله.. إتوكلنا على إللي بيأكلنا ..

وسط صرخات (عنايات) المدوية ..!!




.. و أخيرا عادت (مسعده) إلى بيتها بعد أن كاد الليل أن ينتصف . فوجدت زوجها (عبد العال) يجلس في صحن الدار , و قال لها غاضباً :
ـ إنتي كنتي فين يا ست هانم ..؟ إنتي فاكرة إن مالكيـش راجل .. ولا إيه ..؟!!

أجابته مستهزئة :
ـ مش لما يبقى راجل من أصله.. مش زي عدمه ..!!
قاطعها صارخاً :
ـ و كمان ليكي عين تتكلمي ..؟! يا بجاحتك ..!!
نظرت إليه شذراً , و قالت في امتعاض :
ـ يعني هاكون فين ..!! ما انا كنت باشتغل زي كل يوم ..؟!!
سألها مستنكراً :
ـ لحد نص الليل ..!! شغل إيه ده ..؟!!
قالت باسمة - بعد أن أرضى غرورها غيرته عليها- :
ـ إنت عارف البت عنايات ..؟!!
أسقط فى يد (عبدالعال) , و قال في دهشة :
ـ مالها عنايات ..؟!!
أجابته (مسعده) على الفور - دون أن تستمع إلى إجابته , كعادة كل النساء في التلذذ بإفشاء الأسرار- :
ـ طلعت حامل يا سيدي ..!!
أسقط في يد (عبدالعال) ؛ حتى كاد أن يسقط على الأرض , و هتف قائلاً :
ـ حامل ..؟!! إزاي ..؟!!
ضحكت (مسعده) قائلة :
ـ حلوه إزاي ..!! أكيد فيه واحد ابن حرام .. ضحك عليها ..
تهتهه (عبدالعال) قائلاً :
ـ قصدي يعني .. أكيد طبعاً .. بس إنتي ما عرفتيش.. هو مين ..؟!
أجابته (مسعده) متعجبة :
ـ لأ .. !! هي مارضيتش تقول .. قال إيه خايفه عليه.. يا سيدي .. و باين بتحبه ..
صمت (عبدالعال) طويلاً. ثم سألها :
ـ هيا حامل كام شهر تقريباً ..؟!
أجابته في سرعة :
ـ حوالي أربع شهور ..
ثم تنبهت فجأة للسؤال وقد بدأ الشك يساورها:
ـ إنما إنت بتسأل ليه ..؟!!
تلعثم , و هو يقول :
ـ لا .. لا .. أبداً ..!! أنا كنت باسأل علشان أعرف.. إذا كان أمرها هيبان .. و هيعرفوه الجيران ..
ضحكت قائلة :
ـ لا .. ماهو خلاص .. مراتك قامت باللازم .. و راح الواد فـي خبر كان ..
انتاب (عبدالعال) الذعر , و الفزع .. و تجهم وجهه . و جحظت عيناه :
ـ خلاص .. خلاص إيه ..؟! إنتي عملتي فيها إيه ..؟!! إنتي سقطّي عنايات .. إنتـي بتقولي واد .. هو كـان ولد ..؟!!
أجابته قائلة :
ـ أيوه .. و أنت مالك كده مجعوز قوي .. و زعلان عليها .. زي ما يكون ابنك ..!!
نظر إليها (عبدالعال) , و هو في حالة ذهول تام . قائلاً :
ـ أيوه ابني .. أيوه دا كان ابني .. إللي مستنيه طول عمري .. و ياما كنتي بتعايريني طول الوقت .. و تحسسيني بعجزي .. لكن ربنا أخيراً حب ينصرني عليكي .. أنا اتجوزت عنايات عرفي .. في السر من وراكي .. بعد لما شفت صورتها معاكي .. و عرفت إنها بنت منكسره مقطوعه من شجره .. عايشه لواحدها .. و كنت فاكر إني ما بخلفش .. لكن أهه عنايات حامل مني .. و القعاد معاكي ماعدش يلزمني ..!!
و اتجه مسرعاً ناحية الباب . فتهاوت (مسعده) على الأرض , و أخذت تصرخ باكية :
ـ لا .. لا .. مش ممكن تسبني لوحدي .. خد كل فلوسي .. و دهبي .. إللي أنا مخبياه .. و اقعد جنبي ..
و أمسكت بجلبابه , و هي تزحف ؛ إلا أنه نفضها عنه . قائلاً :
ـ لا يا ست هانم .. أنا ياما شربت منك المر .. جه الوقت إللي تدفعي فيه تمن قسوتك .. و جبروتك ..و طولة لسانك .. و جحودك .. أنا رايح لعنايات .. مراتي .. و أم ولادي ..!!
.. إذ بطرقات قوية على الباب فجأة . ففتح (عبدالعال) الباب في الحال . دخلت (أم إسماعيل) جزعة , و أمسكت برقبة (مسعده) قائلة :
ـ إنتي قتلتي عنايات .. قتلتي عنايات .. عنايات ماتت ..



الحلقة السادسة


الزواج في الصعـيد


.. أما في الصعيد . فالأمر حقيقة عجيب , و غريب ..!! فللمرأة دور كبير ؛ بالأخص للأم التأثير الكبيرعلى بنيها الكبير منهم ؛ من قبل الصغير . فهي تلعب دور الأم , و الأب معاً . بعدما تكون ترملت , في ريعان الشباب . بسبب تلك العادة التي تركت أثرها على كل دار ؛ ألا و هي الأخذ بالثأر ..!!
وهذا ما سنعرضه هنا في نبذة قصيرة , في قصتنا هذه المثيرة ..!!
الأم ترضع أطفالها الصغار أفكار الثأر , و العار , و خراب الديار . لمن لا يسمع كلام أمه (أنهار) , التي تريد أن يجري الدم في البلدة أنهار . ذلك بعد أن قتلت عائلة (الصوان) , زوجها (عمران) منذ عشرين عاماً . و طوال تلك الأعوام . تربي ابنها الوحيد (دهشان) على كراهية عائلة (الصوان) , و لم تخلع عنها السواد في انتظار يوم الميلاد . يوم ينتقم لها (دهشان) من ابن ( وهـدان ) كبير عائلة (الصوان) .. (حمدان) , الذي هجر القرية منذ عشرة أعوام , يدرس في كلية الزراعة . و سيعود ليتزوج ابنة عمه بعد عدة أيام . قالت (أنهار) بينما تجلس القرفصاء , أعلى دكة خشبية أمام الدار :
ـ دهشان يا ولدي .. آن الأوان ..علشان تطفي النار ..إللي جايده جواي.. من زمان ..
أجابها (دهشان) .و هو ينظر أمامه شارداً:
ـ صبرك يا اماي .. لسه شوي كمان ..
ضربت على صدرها , مولولةً :
ـ لسه .. لسه إيه ..؟!! إنت رجعت في كلامك .. والا إيه .. يا خيبتك في ولدك يا أنهار .. يا ريت تموت .. و ما يطلع عليك نهار ..
نظر إليها (دهشان) , متعجباً و قال :
ـ ليه بس كده يا اماي .. مش تفهمي بس .. أنا إيه مغزاي ..!!
نظرت إليه , و هي لا تزال تهز جسدها روحة , و عدية :
ـ جول .. خلي الليل يطول .. جول .. عايز جلبي لسه يبات مغلول .. عايز النـار تفضــل تحرج كبدي على طول ..!!
قاطعها (دهشان) :
ـ ريحي بالك بس يا اماي.. و سيبي الباجي علاي ..
هبت واقفة , و صرخت فيه قائلة:
ـ أرتاح إزاي .. ويهدالي بال ..!! طول ما حمدان ولد وهدان .. شايفاه عيناي .. لازم أحرج جلب أبوه عليه .. زي ما حرج جلبي .. على أبوك .. و ضيع صباي ..!!
هتف (دهشان) , و هو يضرب قبضته فى يده:
ـ ماهو ده إللي أنا عايزه يا أماي .. أحرج جلب ولد حمدان إللي جاي على أبوه .. زي ما انعمل معاي .. عشان يعيش طول عمره .. ف إللي أنا عشت فيه .. و ينحرم من أبوه .. و هو عمره ما عداش سبوع ..
صرخت (أنهار) قائلة :
ـ يا نهار أسود غطيس .. يعني عاوزني لسه استني .. عما أشوف ابن إللي جتلني.. في الكوشة فرحان متهني .. و أشوف عروسه بترجص .. و تغني .. وعايشة مرتاحة البال .. و أنا أتحرج بالنار ..
قاطعها (دهشان) , و ربت على كتفها ثم ضمها بقوة :
ـ لازم يكون انتجامي هو نفسه إللي حصلي .. و يبجي ضربنا تلات عصافير بطلجة واحدة .. حرجنا جلب الأب على ابنه .. و حرجنا جلب زوجته .. و حكمنا على ابنه بالحرمان طول عمره ..
و صمت طويلاً , ثم ضرب الجدار بيده قائلاً :
ـ عرفتي يا اماي .. إن انتجامي أجوي منك .. تلات مرات ..؟!
قاطعته (أنهار) قائلة بحرقة :
ـ و أنا لسه هاعيش .. جد ما عشت .. لحد ما اليوم إللي يتحجـج فيه الحلم ..؟
همس (دهشان) , و هو ينظر إلى النار ؛ التي كانت تصنع أمه عليها الشاي :
ـ ما فيش أسرع من الأيام ..!!


(2)

و.. مضت الأيام , و تزوج (حمدان) من ابنة عمه (إحسان) . وفي ذات يوم من تلك الأيام جلس الأب (وهدان) مع ابنه (حمدان) . و قال له محدثاً :
ـ حمدان يا ولدي .. أنا عوزك تهج من البلد دي ..!!
أجابه (حمدان) متعجباً:
ـ كيف يا والدي ..؟! بعد لما اتجوزت .. أرحل على وين.. أنا و مرتي ..
حدثه أبوه قائلاً :
ـ أرض الله واسعه .. روح للبندر .. البلد كبيره .. و الناس هناك كتيره ..
تساءل (حمدان) دهشاً:
ـ ليه بس يا والدي .. إنت مخبي حاجه عني ..؟!!
أجابه (وهدان) بتردد:
ـ والله يابني.. فيه موضوع حصل من زمان .. و كنت عامل حسابي أجولهولك .. لما يؤون الأوان ..
سأله (حمدان) في لهفة:
ـ طمنّي يا والدي .. أنا الفار عم يلعب في جلبي ..
أجابه (وهدان) بتأثر:
ـ يابني كان فيه تار بايت بينا .. و بين عيلة عمران .. علشان قتل جدك الصوان .. وأنا خدت بالتار من عمران .. و انت لسه ما جتش ع الدنيا .. منشان كده ابنه دهشان .. مستنيك من زمان .. علشان ياخد بالتار منك ..
تعجب (حمدان) و قال:
ـ طيب .. و هو إيه إللي يخليه لسه مستني .. و يخليه عاوز ينتجم مني ..أنا إيش ذنبي..؟!
ضحك أبوه قائلاً :
ـ ما هو ده سلو بلدنا .. ما نجتلش الجتيل إلا لما يكون له عيل ..علشان يشيل ورث التار لأبوه ..
قاطعه (حمدان) متسائلاً:
ـ طب ..و إن ما كنش له عيال ..؟!!
أجابه بثقة و حماس :
ـ يشيله ابن أخوه .. أو أخته ..!!
تعجب (حمدان) , و هو يضرب كفاً بكف قائلاً :
ـ يعني لازم تفضل الساقيه دايره .. و النفوس حايره .. و العيال تتيتم .. و الحريم تترمل .. دا كلام ناس عجّال ..؟!!
و استطرد قائلاً :
ـ إيه ذنبي ..ولا ذنب مرتي .. كان لازم تفكر في كل ده ..من جبل كده ..يا والدي .. أنا لازم أروح لدهشان .. شايل كفني ..على يدي .. يمكن يسامحني.. و يجبل الديه .. جبل الخراب .. ما يمحي البلد ديه ..!!
هتف أبوه جزعاً:
ـ إياك يا ولدي .. تجيب العار ليا في شيبتي .. عمر دهشان ما هيجبل منك كلام .. ده مستني من زمان ..علشان يحرج جلب ابنك عليك كمان .. و ده إللي مخليه صابر عليك ..لحد دلوقجتي ..علشان كده ..إسمع الكلام .. و ارحل عن البلد دي ..!!

و هناك كانت الزينة , و الأنوار معلقة على الدار . جلس (دهشان) في الشرفة ينظر إلى الترتيبات . فخرجت أمه (أنهار) من باب الدار , و هي متجهمة , و لا تزال متشحة بالسواد . هب (دهشان) واقفاً , و راح تجاه أمه قائلاً :
ـ إنتي بس ليه زعلانة كده يا اماي ..؟ إنتي مش فرحانة ولا إيه .. مش نفسك أتجوز و تشوفيني عريس .. و أجيبلك عمران الصغير ..!!
أشاحت بوجهها عنه قائلاً :
ـ مش لما عمران الكبير يرتاح ف تربته الأول .. ساعتها أبجى أجيم الأفراح .. و الليالي الملاح .. و أعمل لك ليله .. و لا ألف ليله و ليله .. و أعلج الزينه ..على كل بيت من بيوت العيله ..
غضب (دهشان) قائلاً :
ـ أباي يا اماي ..!! إنتي ليه بس مش عوزاني أدوج طعم الفرح ..؟! ما هو كل شئ بميعاد .. و لسه ما أنش الأوان .. و لسه مرات حمدان .. ماولدتش كمان ..
قاطعته قائلة :
ـ يعني إنت عارف هتجيب ولد ولا بنيه ..؟!
أجابها قائلاً :
ـ ساعتها يبقى يحلها ألف حلال .. أنا بس عوزك النهارده تفرحي وياي .. الليلة ليلة الحنه و بكرة الدخله .. مفيش حتى و لو زغروته .. تعملنا ظيطه ..
نظرت إليه (أنهار) نظرة أسكتته في الحال . فقال بأسى :
ـ بخاطرك يا اماي ..!!


(3)


.. حمل (حمدان) كفناً أبيضاً علي يديه ؛ متوجهاً خارج منزله . فوقفت زوجته (إحسان) حائلاً أمامهعند الباب ؛ لتمنعه من الخروج , قائلة :
ـ أبداً .. أنا مش هسيبك تخرج.. و تروح للموت برجليك .. إذا ما كنتش خايف على نفسك .. خاف على إبنك إللي في بطني ..!!
قال لها (حمدان) بإصرار:
ـ بعدي يا إحسان عن الباب .. أنا باعمل كده عشانك .. و عشان ابني ييجي في النور.. و ما يتجلش له في يوم من الأيام .. أبوك كان جبان .. و هرب من التار .. ولا أفضل طول عمري هربان ..
ثم فتح الباب , و اندفع خارجاً وسط بكاء (إحسان) . فاصطدم بوالده ؛ الذي قال له غاضباً :
ـ على فين يا ولدي ..؟! إنت ما تعرفش سلو البلد دي .. لو جتلك (دهشان) دلوجت .. ما يبقاش لك تار عندي .. لأنك لطخت إسمي بالعار .. و اعترفت بذنبي ..
اندفع (حمدان) خارجاً , و التفت يحدث والده عند الباب الخارجي :
ـ سامحني يا والدي .. أنا عايز أوجف المهزله دي.. وأطفي نار التار ..إللي جايده بقالها سنين و سنين .. ومش هتسبنا أبداً نعيش .. سالمين .. و مطمنين ..
قال له والده راجياً:
ـ طب استنى ..أنا هجيب الرجالة معانا .. علشان لو دار عراك يكونوا ويانا ..
قاطعه (حمدان) قائلاً :
ـ لا يا والدي .. أنا رايح أطفي النار .. مش أولعها .. و أخرب الديار..
بينما كان (دهشان) واقفاً أمام داره , مولياً ظهره للشارع . جاءه (حمدان) من خلفه هاتفاً :
- دهشان يا ولد عمران .. أنا جيت لك بنفسي.. شايل كفني على يدي .. و راضي بكل إللي تطلبه مني .. لتجبل مني ديتي.. و فـدوي .. لتهدر دمي ..!!

فجحظت عيني (دهشان) عندما سمع صوت (حمدان) . و التفت في بطء , و أنفاسه تتلاحق في سرعة , ثم قال بصوت أجش والشرر يتطاير من عينيه :

ـ إنت إيه إللي جابك يا أفندي ..؟!! مشّي ..!! و كفنك مالوش عازه عندي.. دلوجتي ..!!
أجابه (حمدان) في حزم :
ـ أبداً .. مش هامشّي .. أنا لازم أوضع حد للمسأله دي.. دلوجيت ..
خرجت (أنهار) من داخل الدار صارخة :
ـ إجتله .. إجتله يا ولدي .. خد بتار بوك ..و ريحني .. أهو جالك برجليه ..و شايل كفنه على إديه .. ليه مستني ..؟!!
صرخ فيها (دهشان) أمراً:
ـ أسكتي يا اماي .. ما تضحكيش البلد علاي .. الأفندي جاي يتمهزج بي .. مش أنا إللي أسيب تار بوي.. ولا أسكت عليه .. ولا أتاجر بيه .. و مش أنا برضك .. إللي أجتل واحد جاي واجع في عرضي .. روح روّح يا أفندي .. و حسابك لسه جاي بعدين عندي ..!!
صرخت (أنهار) , تلطم على وجهها عند باب الدار قائلة :
ـ إنت هتسيبه يمشّي ..؟! يا ميلة بختي .. و يا حرجة جلبي .. أنا ما خلفتش ولاد يخدولي حجي ..!!
و أخذت تضرب على رأسها مولولة , ثم دخلت مسرعة إلى الدار . نظر (حمدان) إلى (دهشان) قائلاً :
ـ دهشان .. أنا ماددلك يدي.. و باديلك عهدي .. علشان نصلح كل إللي فات .. و نبجي بعد كده إخوات ..
ثم اقترب من (دهشان) ماداً يده بالمصافحة . فأشاح بوجهه عنه , مولياً له ظهره . فإذ به يجد أمه في شرفة نافذة الدور العلوي . تحمل بندقية والده , و تصوبها نحو (حمدان) . فرفع يده لها قائلاً :
ـ لا يا اماي ..!!
و انطلق العيار ؛ ليصيب (دهشان) في مقتل , بينما صرخت (أنهار) قائلة :
ـ ولدي .. كبدي .. زرعة عمري ..!!
جرى (حمدان) فى سرعة نحو (دهشان) ؛ يحاول وقف الدماء الغزيرة التي تتدفق من صدره . فنظر له قائلاً :
ـ مش كنت عاوز توقف دايرة التار ..؟‍!! شوف بجي مين ..هياخد لي بتاري ..؟!


ثم مالت رأسه على كتفه . و سكنت أنفاسه , فإنهار (حمدان) و انهمرت دموعه رغماً عنه . هرولت (أنهار) مسرعة , و أمسكت برأس ولدها و دفنته في صدرها , ثم أخذت تعفر رأسها بالتراب . و تلطم خديها . و هي تصرخ , كأنما أصابها مس من الجنون .


الـزواج في المـدن


الزواج في المدن عامة مكلف جداً . خاصة الكبرى منها . هذا مما يجعل الناس تلهث دوماً وراء المادة . و لا تجد متسعاً للحياة الاجتماعية . فلا يوجد ترابط ما بين أفراد المجتمع بعضهم البعض . بل يحيا كل فرد في جزيرة منفصلة عن الآخر . و لا يكاد يعرف الجيران الملاصقين له في البيت . ربما يرجع ذلك أنهم من بيئات شتى , و أوساط مختلفة ؛ فلا يوجد تآلف فيما بينهم . بل قد نرى البعض يحاول التقليد الأعمى للآخر . بصورة قد تبدو مبالغة . فيها الكثير من التصنع و المغالاه . يرتدون الأقنعة ..‍‍!!
(هشام) شاب مكافح من أسرة متوسطة الحال , يعمل مدرساً للتاريخ في إحدى المدارس الحكومية . خطب قريبة له . حالتها الأسرية لا تقل سوءاً عنه . لذا كان يعمل طوال النهار . كي يلبي متطلبات الزواج . و استمر به الحال لمدة خمسة أعوام حتى استطاع أن يحصل على تلك الشقة الموعودة ؛ بإحد المناطق الجديدة في مدينة القاهرة . و أخيراً تزوج من (هدى) و تحقق له حلم حياته الذي طال انتظاره . كان يتخيل أنه بذلك قد حقق كل أمانيه , و لم يعد هناك شئ آخر يحتاجه ..!!
.. لكن دعونا نقترب منهم الآن , بعد عشرة أعوام من الزواج . لنرى الصورة أكثر وضوحاً . وهيا بنا ندخل من باب الشقة ؛ الذي كان مفتوحاً على مصراعيه ..!!
جلست (هدى) على الأريكة في حجرة (الأنتريه) , تقلم أظافر قدميها , و تطليها بمقوي الأظافر . و تضع على وجهها كريم الأساس الذي جعلها كعفريت العلبة ؛ و هى تضع تلك البكرات في شعرها - مما جعلها تشبه (رأس الميدوسا) في الأساطير الإغريقية القديمة لسيدة شعرها من الأفاعي السامة ..!!-
دخلت طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها , ترتدي ملابس مهترئة .فالتفتت (هدى) فجأة – و اهتزت الأفاعي معها ؛ حتى كادت تسقط عن شعرها – و نظرت تجاه الباب . ثم قالت لها بصوت مرتفع :
ـ بت يا سيده .. إنتي إتأخرتي كده ليه ..؟
ارتجفت (سيده) , و تهتهت قائلة :
ـ أبداً يا ست هانم.. أنا كنت باوصل الولاد لأتوبيس المدرسة .. و بعدين اشتريت شوية طلبات من عند عبده البقال .. و حسونه البواب ما رضيش يخليني أطلع في الأسانسير .. فطلعت على رجليا العشر أدوار شايله الحاجات ..
قاطعتها (هدى) صارخة :
ـ طيب خشي يا مقصوفة الرقبه .. كملي شغل البيت .. أحسن لو قمت لك ..هاكويكي بالزيت ..
هرولت (سيده) مسرعة , و جسدها الهزيل ينتفض من الخوف . بينما أخذت (هدى) تضع طلاء الأظافر (المونيكير) على يديها , و إذ بها تسمع جرس التليفون . فصرخت منادية :
ـ بت يا سيده .. تعالي بسرعه هاتي سماعة التليفون ..
فجاءت (سيده) مهرولة من المطبخ قائلة :
ـ حاضر يا ستي ..
و أمسكت بالتليفون , و وضعت السماعة على أذن (هدى) , و هي مادة ذراعيها ؛ حتى يجف الطلاء , التي أجابت عليه قائلة :
ـ هالو .. أهلاً يا سوزي يا حبيبتي .. طبعاً .. أمال هاجيلك النهارده في النادي .. بس إنتي عارفه إن الجو حر دلوقتي .. حتى إني مش طايقه أقعد في الشقه .. تكييف ..؟ لا و الله لسه ما جبتوش .. لكن و حياتك إنتي لأجيبه قبل نهاية الأسبوع .. أمال .. لو ما جاش دلوقتى هييجي إمتى .. بتقولى إيه ..؟ إنتي هتسافري الغردقه آخر الشهر .. آه .. مانا كمان مسافره الساحل الشمالي .. بس مستنيه لما الولاد يخلصوا الامتحانات .. هشام ..؟ لأ أنا مش هستناه .. هو حر .. يبقى يجي لنا يوم ولا اتنين .. لكن أنا ما أقدرش أقعد هنا فى الحر ده .. خلاص أوكيه .. ماشي .. باي .. باي ..
و ما أن أنهت المكالمة ؛ حتى نظرت شذراً إلى (سيده) . قائلة :
ـ إنتي لسه واقفه عندك بتعملي إيه.. يا زفته ..؟
و قبل أن تجيبها (سيده) صفعتها على وجهها قائلة :
ـ يلا .. خشي الحمام عشان تغسلي الهدوم .. و بطلى لكاعه طول النـهار ..
أخذت (سيده) تبكي , و انصرفت مسرعة إلى الحمام ؛ لتكفكف دموعها . بينما أمسكت (هدى) بجهاز الريموت الخاص بالتليفزيون , و قامت بإشعاله . ثم أخذت تقلب ما بين قنوات الدش . لكنها سرعان ما أغلقته قائلة :
ـ أف .. ما فيش حاجه حلوه .. دي عيشه ممله ..!!
ثم أسرعت إلى غرفة نومها , و ألقت بنفسها على السرير . , و قامت بتشغيل المروحة ,و ثبتتها تجاهها, ثم أدارت جهاز الكاسيت على بعض الأغاني الأجنبية. إلا أنها قالت تحدث نفسها :
ـ أف .. لابد من جهاز التكييف .. إشمعنا يعني سوزي عندها تلاته في البيت .. ولا سها عامله تكييف مركزي في الفيلا كلها .. دا كمان غير حمام السباحه إللي عندها .. إشمعنا أنا .. هو أنا أقل منهم في إيه ..!!
.. حضر (هشام) زوجها في تمام الساعة الثالثة عصراً . و دخل إلى غرفة نومه . فوجدها مستلقية على بطنها مستغرقة في النوم . فأخذ يخلع ثيابه في صمت ثم خرج إلى الردهة هاتفاً :
ـ فين الأكل يا سيدة ..؟!
أخرجت (سيده) الأكل من الثلاجة قائلة :
ـ حاضر يا سيدي .. عشر دقايق ..و أسخن لحضرتك الأكل ..
قال لها (هشام) راجياً:
ـ يلا بسرعه.. يا بنتي و النبي .. أحسن أنا ميت من الجوع .. و هاخرج بعد ساعه.. عشان عندي دروس طول النهار ..
ثم عاد إلى غرفة نومه , و استلقي على السرير . فاستيقظت (هدى) , و هي تتمطى . ثم فتحت عينيها بتكاسل قائلة :
ـ الله .. إنت جيت يا هشام ..؟!
أجابها , و هو يحاول أن يسترخى بجسمه ؛ ليريح عظامه المتعبة من الوقوف طوال النهار , و الاستيقاظ مبكراً في الصباح :
ـ آه جيت .. يعني هكون إيه .. عفريت ..!!
أجابته غاضبة:
ـ الله ..!! إنت بترد كـده ليـه ..!! إنت هتطلع زرابينـك عليا ولا إيـه ..؟!! طيب و أنا ذنبي إيه ..؟!!
نظر إليها متعجباً و قال :
ـ الله .. هو أنا لسه قلت لك حاجه يا ست هانم .. الواحد جاي طهقان من الشغل.. و الجو بره حر موت .. و عندي شغل ..و هانزل بعد شويه .. سيبيني أستريح ..و جهزى ليا الغدا .. مش كفايه نازل مـن غير فطـار ..!!
قاطعته قائلة :
ـ طيب و أنا أعمل لك إيه .. ما الأكل عندك في التلاجه .. ولا تكونش فاكرني الجاريه.. إللي اشتريتها .. و بعدين بمناسبة الحر .. إحنا عاوزين جهازين تكييف ..ولا تلاته .. الشقه حر موت .. و ماعدتش أقدر أعيش فيها كده .. أنا و الأولاد ..!!
نظر إليها حانقاً ,و قال :
ـ ما هو أصل أنا العبد .. إللي اشتراه أبوكى الباشا .. ليكى .. يقعد يشتغل طول النهار علشان يرضيكي.. و أجيب الفلوس و اعطيكى .علشان تبعزقيها يمين ..و شمال على الكوافير.. و النادي .. و الموبايل .. و الشغاله .. و العربيه.. و الدش .. و الفسح .. و آخرها التكييف .. علشان ست الحسن .. و الدلال تهدى .. و تبقى مرتاحة البال .. و إنتي قاعده طول النهار.. نايمه.. و لا بتعملي حاجه .. و لا تعرفي عن بيتك أي حاجه ..!!
قاطعته قائلة ,و الشرر يتطاير من عينيها:
ـ نعم .. نعم ..!! و الله عال يا سي السيد .. و إنت عاوزني إن شاء الله أعمل لك إيه ..؟ مش كفاية مستحملاك إنت و عيالك .. و صابره على عيشتك .. و انت حتة مدرس كحيان ..
أجابها ساخراً :
ـ اسم الله ..على أبوكي ..إللي كان عنده الديوان .. مش كل إللي كان يملكه .. حتة دكان بيبيع فيه سجاير .. و لبان ..؟!!
هتفت غاضبة :
ـ إنت كمان هتلبخ في أبويا .. مانت يعني أبوك كان حيلته حاجه .. ماهو كان زيك موظف فقير ..عدمان ..صدمان..
قاطعهما صوت (سيده) ؛ من وراء باب الحجرة قائلاً:
ـ الغدا جاهز يا سيدى ..
فانتفض (هشام) واقفاً . و قال , وهو يهم بالانصراف:
ـ دي عيشه تقصر العمر ..
فاستوقفته (هدى) قائلة:
ـ على فكره أنا هاخد العربيه.. علشان ورايا مشوار العصريه ..
التفت إليها , و قد احتقن وجهه:
ـ نعم يا ست هانم .. و أنا أروح الدروس إزاي ..؟ إنتي مش عارفه ..إني ورايا شغل طول النهار ..؟!!
قاطعته قائلة ببرود :
ـ و الله إنت راجل .. إتصرف .. لكن أنا مش ممكن أتبهدل في المواصلات .. و كمان أخاف أركب تاكسيات لوحدي .. إبقى إنت خدلك تاكسي .. ولا إبقى إشتري لنا عربيه تانيه .. بدل العربيه الكحيانه دى إللي عجباك ..و مش عاوز تفرط فيها .. إبقى خليهالك يا سيدي على طول ..و اديني العربيه الجديده..
نظر إليها , وهو يميز من الغيظ , و ارتدى ملابسه في سرعة , ثم خرج من المنزل , و صفق الباب خلفه . فجرت (سيده) وراءه و هتفت منادية :
ـ الغدا يا سيدي ..
أجابها فى سرعة , و هو يقفز درجات السلم , و لم يركب الاسانسير:
ـ شكراً يا سيده .. أنا هاكل بره .. بس روحى إنتي.. شوفي أتوبيس الأولاد ..إتأخر ليه ..؟!! أو روحي هاتيهم من المدرسه ..!!
أوقف (هشام) تاكسي , و ركبه مهموماً , ثم استغرق في التفكير العميق ..!!




(2)


.. ما أن دخلت (سيده) ؛ حتى قابلتها (هدى) صارخة :
ـ إنتي إيه إللي مطلعك وراه يا بت يا سيده .. قلبك عليه أوي ياختي ..!!
و جذبتها من شعرها قائلة :
ـ إمشي إنجري قدامي.. هاتيلي الأكل في الصاله .. يا مقصوفة الرقبه ..
ثم قالت محدثة نفسها :
ـ أمال لو ما كنتش جيباكي.. عيله صغيره ..كنتي عملتي إيه ..؟! و الله عال على خدامين الزمن ده .. شوف البت السهتانه.. بتدلعه إزاي ..!!
و شاهدت نفسها صدفة في المرآة . و قد سال الكريم الذي وضعته على وجهها , و الكحل من عينيها . و تحركت الأفاعي على جانبي رأسها , و جعلتها أشبه بقرني الثور . فخلعتها عن رأسها فى ثورة , و ألقتها تجاه المرآة . ثم أخذت ترتدي ملابسها مسرعة..
و بعد أن تناولت غذائها . خرجت على الفور , و نادت (سيده) قائلة :
ـ بت يا سيده .. لما يجو الولاد من المدرسه إبقي غديهم .. أنا خارجه رايحه النادي .. و لو حد سأل عليا .. خليه يتصل بيا على الموبايل .. فاهمه يا مقصوفة الرقبه ..
ثم جذبتها من أذنها , و مضت إلى حال سبيلها .
.. في النادي جلست (سوزي) , و (سها) صديقاتها , تنمان فيها - كدأب كل النساء- :
ـ هدى دي طالعه فيها أوي .. و فشاره جداً .. قال إيه ..أبوها راجل أعمال .. و عنده أطيان .. و من عيلة الصبان .. و أنا عمرى ما سمعت عن عيله.. اسمها عيلة الصبان .. إلا إذا كان جدها بيبيع صابون ..!!
و انفجرا في الضحك . و إذ بـ (سوزي) ترى (هدى) عند باب النادي, فتشير إليها :
ـ هالو هدى .. إحنا كنا لسه جايبين في سيرتك ..!!
ثم نظرت إلى (سها) , و ابتسمت لها , وغمزت بعينها .
ألقت (هدى) بنفسها على أحد الكراسي قائلة :
ـ أعمل إيه يا جماعه .. الدنيا زحمه جداً .. و بقالى نص ساعه.. مش لاقيه مكان ..أركن فيه العربيه بتاعتي .. و الجو حر خالص .. لما كنت هفطس ..!!
نظرت إليها (سها) بدهشة :
ـ الله ..! إنتى العربيه بتاعتك مش مكيفه.. ولا إيه ..؟!!
تلعثمت (هدى) , و قالت بتردد :
ـ لا أصل العربيه الكبيره عطلانه .. فجيت بالعربيه الصغيره ..!!
قاطعتها (سها) :
ـ ماركتها إيه العربيه التانيه ..؟
أجابتها (هدى) في سرعة :
ـ فولفو ..!!
ضحكت (سوزى) ساخرة:
ـ هو فيه حد عاد بيركب العربيات دي دلوقتى ..؟!
تلعثمت (هدى) قائلة :
ـ لا أصل العربيه دي.. كان بابي جايبهالي من أمريكا.. لما كان مسافر زمان ..
نظرت إليها (سوزي) ورفعت حاجبيها قائلة بتعجب :
ـ دا زمانه دفع عليها جمارك كتير ..؟!
أجابت (هدى) في الحال :
ـ عادي .. بابي ما يغلاش عليه حاجه.. بالنسبالي ..
نظرت (سوزي) إلى (سها) و ذمت شفتيها , كاتمة الابتسام .


..عاد (هشام) مبكراً على غير العادة , كانت الساعة لم تتجاوز العاشرة , فلم يجد (هدى) قد اتت بعد..!! , و وجد أولاده (حماده) و(غاده) ؛ يلعبون في حجرتهم بعد عودتهم من الفترة المسائية بالحضانة , و المدرسة الخاصة ؛ التي يدفع بها مبالغ كل عام . رغم أنه كان يعمل مدرساً في مدرسة عامة . و مادة التاريخ ليست من المواد التي يقبل عليها التلاميذ في الدروس الخاصة . إلا أنه كان يعمل كل يوم , و طوال الأسبوع ؛ حتى يلبي متطلبات زوجته التى لا تنتهي , أو تعرف القناعة .
دخل المطبخ . فوجد (سيده) تجلس على الأرض القرفصاء وهي تبكي . فجثا على ركبتيه قائلاً في حنان أبوي:
ـ مالك يا سيده ..؟ بتعيطي ليه ..؟
مسحت دموعها بطرف جلبابها . و قالت بتأثر :
ـ الست يا بيه بتضربني كل يوم .. و ساعات بتلسعني بالنار .. و تقصلي شعري .. و من يومين حدفت عليا طاسة الزيت المغلي ..
ثم أخذت (سيده) تكشف له عن آثار الزيت في رقبتها , و أعلي بطنها , و أرجلها .. و إذ فجأة يسمع صوت (هدى) ؛ تقف عند باب المطبخ قائلة :
ـ الله .. الله يا سي هشام .. هيا حصلت كمان تيجي من ورايا البيت ..و تدي لمقصوفة الرقبه دي.. دروس في الغرام ..!!
هب واقفاً (هشام) , و هتف جذعاً :
ـ بطلي هبل .. إنتي خلاص إتجننتي ..؟!! دي زي بنتي ..!!
نظرت (هدى) إليه بازدراء ,و قالت ساخرة:
ـ أيوه زعق .. عشان تاخدني بالصوت ..و تداري على عملتك .. أنا بعنيه شفتك..!!
ثم التفتت إلى (سيده) , و استطردت قائلة:
ـ إنتي يا مقصوفة الرقبه.. قاعده كده ليه .. و كاشفه له صدرك .. دا هيبقى آخر يوم في عمرك ..
و أمسكت بعصا المكنسة , و أرادت أن تضربها بها . لكنها اختبأت خلف (هشام) ثانية متوسلة :
ـ و النبي يا سيدي تحميني .. أنا و الله العظيم ما عملت حاجـه يا سـتي ..!!
أجابت (هدى) متوعدة :
ـ أبداً ..!! و لا يمكن تقعدي فى البيت بعد النهارده ..
قاطعها (هشام) متسائلاً :
ـ هتروح فين دلوقتي ..؟! بكرة الصبح .. يمكن تهدي .. و تعقلي.. و تفهمي إللي حصل ..!!
هتفت في غضب :
ـ أبداً ..!! و الله ما هي قاعده في البيت .. لا أنا.. لا هيه ..!!
أسقط فى يد (هشام) ولم يدر ماذا يفعل أمام هذا الجنون المطبق..؟!. فدخل إلى حجرة مكتبه , و أشعل سيجارته , وسط صرخات (سيده) , وثورة (هدى) ؛ التي جذبتها من شعرها , و أخرجتها من الباب , و ألقت بها على قارعة الطريق في منتصف الليل .
فاستغرق (هشام) مرة أخرى في التفكير . ثم أطفأ سيجارته بعنف , و سحقها بيده .



(3)


.. استيقظ (هشام) , و خرج مبكراً كعادته , بينما كانت (هدى) ماتزال تغط في نومها . ثم عاد في الثالثة . فوجدها لم تستيقظ بعد , و وجد الأولاد لم يذهبا إلى المدرسة . فأيقظها بعنف قائلاً :
ـ العيال ما راحوش المدرسة ليه ..؟!! و طبعاً ما فيش غدا إتعمل ..!!
أجابته في برود , متثائبة :
ـ و إيه يعني .. هيا جت من يوم .. و بعدين مين إللي هيوديهم .. ولا يعمل لنا الغدا .. مش لما تبقى تجيب لنا شغاله تانيه .. خلاص روح هات لنا أكل جاهز من بره ..
أجابها , والشرر يتطاير من عينيه :
ـ و الله عال .. يعني أنا المسئول عن الفضيحة إللي عملتيها إنتي إمبارح .. و أنا إللي طردت البنت الغلبانة من غير ذنب يتقال .. و أنا إللي عليا إني أدور على واحده تانيه .. عشان بعدين تعمليلي فضيحه تانيه كمان .. و أنا إللي أروح أجيب أكل من بره ..؟!
ثم استطرد قائلاً في غضب :
ـ لا يا ست هانم .. أنت لازم تشوفي شغل بيتك .. و تراعي ولادك .. يعني إنتي وراكي إيه طول النهار غير الكلام في الفاضي .. و القعدة على النوادي .. و النوم طول النهار و الليل ..؟! و أنا داير في ساقيه طول النهار .. زي الحمار .. لا أعرف آكل لقمه في بيتي .. ولا ألاقي حد يراعيني.. و يراعي ولادي .. يبقى إيه لزمتك في حياتي ..؟!!
نظرت إليه (هدى) في استخفاف قائلة :
ـ و الله إن كان عاجبك .. الشقة دي من حقي أنا و أولادي .. و كل حاجه فيها بإسمي .. ولو عايز تطلقني .. طلقني كده ..!! وبكره أدفعك أد إللي بتكسبه مرتين .. نفقه ليا و لأولادي ..!!
نظر إليها (هشام) , و هو يكاد يميز من الغيظ قائلاً :
ـ كده ..؟!! بكره تندمي على الكلام ده .. و تعضي على ضوافرك .. و تعرفي إن الله حق .. أنا ماشي و مهاجر .. و معدتيش هتعرفي ليا أراضي .. و إبقي وريني .. هتعيشي إزاي.. يا بنت المليونير ..!! و افتكري كويس .. مين فينا إللي كان البادي .. و إنك إللي خلتيني أتخلى عن ولادي ..؟! إشبعي بيهم ..و دوريلك على شغلانه عشان تصرفي عليهم ..!!



ثم صفق الباب خلفه , و تركها باكية , و لم يدخل منه مرة ثانية ..!!

تعليقات
0 تعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق