|
في البلاد التّونسيّة يلجأ الكثير من الشّباب إلى الهجرة الغير شرعيّة إلى البلاد الإيطاليّة مستخدمين الطّريق البحريّة و تُسمّى هذه العمليّة " الحَرْقَة " .
حدّثنا أحد الإخوان عمّا آلت إليه حال ثلاثة من الخلاّن ، يُسمَّوْن تِباعا أحمد و صالح و سفيان. كانت تجمعهم الخصاصة والحرمان، ولم يفرّق بينهم مارد و لا شيطان , وبما أنّ الفقر في الوطن غربة و المال في الغربة أوطان , فقد عقدوا العزم على الرّحيل إلى بلاد الطّليان ، حيث الأمل بفرص التّكسّب وأمنيات بالأمان ، وشقّوا عباب البحر في مركب ينوء بحمله من الشّبّان
هاج بهم البحر و ماج حتّى أيقنوا بأنّهم هالكون لا محالة، فرفعوا أكفّ التّضرّع و التّذلّل إلى الله جلّ جلاله , أن أنقذنا من هذا الكرب الكبير , إنّك على ما تشاء قدير , ونجّنا و سنكون لك من الشّاكرين، فجاء الفرج وخلصوا إلى البرّ سالمين . حمد الجميع الله على السّلامة ، و ذهب ما كان بهم من النّدامة . وطبعا حلّ وقت الوفاء، بعدما أوشكوا على الغرق والفناء، فتفرّقت بهم السّبل، ومضى كلّ منهم يطارد الأمل ، ويمنّي النّفس بالحصول على عمل .
أمّا أحمد فقد فاز بشابّة حسناء، والدها يملك ضيعة غنّاء، صادفها دون موعد في الطّريق ، أين أنقذها من صلف صديق. فقرّبه والدها إليه ، بعد إنقاذه لأعزِّ ما لديه , ثمّ زوّجه البنيّة ، فأصبح في عيشة رضيّة، والتفت إلى العمل و الكدّ، و أنجبت له الزّوجة البنت و الولد ، وكان غير يائس من دعوة أمّ أولاده ، إلى دين آبائه و أجداده . فوفّقه الله في مسعاه ، ورضي عنه و أرضاه ، كما أنّه لم ينس أهله في البلد ، فبات يمثّل لهم العائل والسّند .
أمّا ثانيهم و المسمّى صالح ، فقد كان من النّوع الطّالح ، إنتقم لأيّام الحرمان ، بأن أطلق لشهواته العنان، وتاجر في صنوف المخدّرات، وأنفق ماله في الملذّات. ونسي بالتّالي عهده لمولاه ، فعاقبه على ذالك وابتلاه ، حيث أصابه مرض عضال ، ذهب بِبَصَرِهِ و أشلّ منه أسفل الأوصال، فلم ينفع معه تدخّل الحكماء، و عجز عن مداواته كلّ الأطبّاء، فأنفق كلّ ما كسبه من المال، ثمّ اضطرّ إلى المسكنة والسّؤال ، ثمّ عاد خالي الوفاض إلى البلاد، فهجره النّاس و تندّرت بمآله العباد ، وهو الآن لا يبرح سريره ، يبكي حاله ويلعن سوء تدبيره .
أمّا سفيان فقد احتضنته جماعة ، قدّمت له العون و أنقذته من المجاعة ، و فرضت عليه الوفاء والطّاعة، ثمّ انتدبته لأرذل عمل ، هو إلى التّجسّس أقرب فانصاع و امتثل .وبات يراقب المهاجرين و الزّوّار، ليرفع فيهم التّقارير ويتقصّى عنهم الأخبار، فبرع في ميدانه ، و أضحى فريد عصره و أوانه ، ثمّ قرّر من جنّده أن يزرعه في البلاد ، ليوقع بين الإخوة ويفرّق بين العباد ، لكن - كما يقال - تجري الرّياح ، بما لا تشتهي السّفن ولا الملّاح، فقد عثر عليه وهو مقتول، ونسبت الجريمة إلى مجهول .
تمّت الحكاية كما سمعناها يا إخوان، دون تصرف ولا زيادة أو نقصان .
|