الذكاء و القرد

Evolution Becomes Revolution
من أحد أهم و أفضل أفلام الخيال العلمي لعام 2011 و في تاريخ السنيما حتى الآن هو الفيلم الأمريكي Rise of the Planet of the Apes : تأليف ريك جافا و أماندا سيلفر, و إخراج روبرت يات. و قصة الفيلم تدور حول العالِم ويل رودمان (جيمس فرانكو) الذي يعمل على مشروع لإكتشاف دواء يعالج مرض الزهايمر الذي يعاني منه والده تشارلز (جون ليثو) .. و بطبيعة الحال يتم تجريب الدواء الجديد على قرود الشمبانزي أولا للتأكد من سلامة الدواء قبل أن يتم تجريبه على البشر. و مع تلاحق الأحداث يكتشف العالِم أن دواء الزهايمر لا يقضي على الزهايمر فقط بل هو يضاعف القدرات العقلية لدى الشمبانزي بحيث أصبح الشمبانزي الذي يربيه في السر و إسمه سيزر (Caesar) ذكي جدا بل و أذكى من بشر كثيرين.
أحداث الفيلم مشوقة كلها, و من أبرز الأفكار التي طرحها الفيلم هو أن الذكاء الذي تم زرعه في الشمبانزي كان محمولا على فيروس !! و هو ما يمكن أن يثير الفكر بخصوص كيفية نشوء و تطور الذكاء بشكله الحالي في القرود البشرية, و بخصوص طبيعة العلاقة بين الذكاء و القرد البشري .. و ما إذا كان هذا الذكاء له طبيعة او سلوك الفيروس فعلا بالنسبة للكائنات الحية !! بل و يثير التساؤل عن إمكانية إصابة الجنس البشري بالذكاء (ترقية مستويات الذكاء الحالية) أيضا عن طريق نشر فيروس معين بين الناس .. بحيث يصيبهم بالذكاء و يدعم إنجذابهم للعلم و التعلم برغم أنوفهم. على طريقة ما حدث في نهاية أرض النفاق (الرواية و الفيلم) حين رمى بطل الرواية حبوب الأخلاق في مياة النيل لكي يتحول كل الناس إلي الأخلاق و الفضائل رغم أنوفهم !!

كيف تنشأ الموجودات ؟

كل الموجودات تنشأ بإحدى ثلاث طرق لا رابع لهم :
1- بواسطة تطور بطئ
حيث ينشأ الشي من خلال تغير تدريجي بسيط و لكنه مستمر يظل يتراكم و يكبر في إتجاه معين, بحيث تجد بعد فترة كافية من الزمان أن هذة التغيرات البسيطة قد أصبحت تحولات ضخمة رهيبة .. و هو ما يمكن التعبير عنه بالمقولة الشهيرة : إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة. و أقوى مثال لهذة الطريقة في النشوء هو التطور الحيوي و التطور الكوني, فكل المعادن و المواد الموجودة في كوننا قد نشأت بالتدريج كنتاج للتفاعلات الكيميائية بين المواد الأولية عبر بلايين السنين, كما أن الكائنات الحية أيضا نشأت بنفس الطريقة عبر ملايين السنين .. فاعظم الإنجازات غالبا ما تحتاج إلي صبر و إصرار و عمل متواصل. كارل ماركس كان قد عبر بنظرة ثاقبة عن هذة الحالة من التحول و التطور من خلال قانونه الثالث للمادية الجدلية : تحول الكم إلي كيف.
2- بواسطة إنفجار مفاجئ
حيث تنشأ الأشياء بطريقة فورية مفاجئة فيما يشبه الإنفجار داخل العالم لكي يظهر للوجود حالة جديدة او شيء جديد, و هو غالبا ما يحدث نتيجة لتفاعل ظواهر طبيعية بشكل تدريجي تراكمي كما في الحالة الأولى .. حتى تصل التفاعلات إلي نقطة حرجة Critical Point فينتج عنها هذة الظاهرة الجديدة او الشيء الجديد فيما يشبه الإنفجار. و أقوى أمثلة لهذة الحالة هو بدايات نشوء الظواهر الطبيعية مثل : نشوء الكون من خلال الإنفجار الكبير ثم التضخم الإنفجاري الذي حدث بعد ذلك .. و نشوء الحياة من خلال التخلق اللاحيوي و الإنفجار الكامبيري الذي حدث بعد ذلك.
3- بواسطة تصميم ذكي
حيث تنشأ الأشياء بشكل مقصود و ذكي و موجه (بعكس الطريقتين السابقتين) من أجل إنتاج شيء او حالة لها هدف معين. و هو ما يسهل الإشارة إليه كصناعة السيارات و الطائرات و المنازل و غيرها.
في كل الأحوال طبعا تنشأ الأشياء بشكل طبيعي سواء كان لأسباب عشوائية من إنتخاب طبيعي أو بواسطة مصمم ذكي طبيعي أيضا. لكن مع ذلك فأغلب الموجودات في العالم قد نشأت عن طريق الحالة الأولى و الثانية معا (بالإنتخاب الطبيعي الآلي العشوائي), و من ضمن حالات النشوء هذة هي نشوء الكائنات الحية و الأعضاء الحية .. و مثل تطور العين في الكائنات الحية.
فمن أضعف قدرة على الإبصار في عالم الأسماك حتى أفضل قدرات على الإبصار في عالم الطيور .. نجد أن معظم الآليات الجينية التي يحدث بها نمو العين مشتركة بين كل الكائنات الحية التي لديها عين, و هو ما يؤكد أن سلفهم استخدم نوعا من آلية الحساسية للضوء حتى لو لم يكن لديه عضو بصري. العين في البداية أستخدمت من أجل حساسية الضوء (طفرة طبيعية عشوائية) و ليس من أجل التنقل السريع للرؤية, ثم تطورت من خلال سباق للتسلح بين الكائنات الحية و هو الذي أدى إلى حدوث فيض من التطور. لكن حتى الخلايا المستقبلة للضوء يمكن ان تكون قد تطورت أكثر من مرة من مستقبلات كيميائية مشابهة، وأن الخلايا الحساسة للضوء كانت موجودة من قبل الانفجار الكامبيري بفترة طويلة.
تطور العين هو سلسلة من التطورات التي طرأت على عين الكائن الحي على مدار ملايين السنين, و تعود أقدم الأحافير التي اكتشفت العين حتى الآن إلى الحقبة الكامبيرية (منذ حوالي 540 مليون سنة). بعض مكونات العين مثل الأصباغ البصرية تظهر ان كلها لها اصل مشترك .. و أن العين بالرغم من انها تطورت مرة واحدة قبل التشعب الحيواني إلا أن العين المعقدة المكونة للصور تطورت حوالي من 50 لــ 100 مرة بنفس البروتينات والأدوات الجينية في بناءها. العين المعقدة تطورت في البداية في بضع ملايين السنين في مرحلة الإنفجار التطوري المعروف بالإنفجار الكامبري .. فلا يوجد دليل على انه كان يوجد عين بالشكل المعروف حاليا قبل العصر الكامبري.

نشوء و إرتقاء الذكاء

أما نشوء و تطور الذكاء فهو مرتبط بنشوء و تطور الدماغ و الجهاز العصبي المركزي في الكائنات الحية, و نشوء و تطور الدماغ و الجهاز العصبي المركزي مرتبط بنشوء و تطور الكائنات متعددة الخلايا و من قبلها الخلية الحية البدائية. فالحياة على كوكب الأرض قد بدأت منذ حوالي 4000 مليون سنة حين نشأت خلايا بسيطة هي الخلايا بدائيات النوى. ثم قبل 3000 مليون سنة بدأ ظهور عمليات البناء الضوئي, ثم قبل 2000 مليون سنة بدأ ظهور خلايا معقدة هي الخلايا حقيقيات النوى. ثم قبل 1000 مليون سنة بدأ ظهور الكائنات متعددة الخلايا.
و في علم الأحياء الخلوي، تعد النوى عضوا موجودا في الخلايا حقيقيات النوى، ويحتوي على الجزء الكبير من المادة الوراثية بالخلية. وله وظيفتين أساسيتين : مراقبة التفاعلات الكيميائية بالهيولى، وتخزين المعلومات الضرورية لانقسام الخلية. ويتراوح قطره ما بين 10 و 20 ميكرومترا، وبذلك يشكل أكبر أعضاء الخلية. واضح ان نواة الخلية في الخلايا حقيقيات النوى هو الدماغ الخاص بالخلية, و كما تتحكم الدماغ في أغلب العمليات الحيوية داخل جسم الكائن الحي (متعدد الخلايا) بشكل آلي من تنفس و تغذية و إخراج و حركة و غيره .. كذلك تعتبر نواة الخلية إلي حد ما هي الدماغ الخاص بالخلية.
و مع نشوء و تطور كائنات متعددة الخلايا لها جهاز عصبي مركزي و دماغ بدأ ما يعرف بالذكاء الآلي. الدماغ يقوم بدور المنظم و المتحكم في الوظائف الحيوية بشكل لاإرادي بالنسبة للكائن, فالدماغ يتحكم في عمليات الهضم و التنفس سواء كان الكائن الحي صاحيا او نائما .. و هو يعمل 24/7. و بسبب هذا الدور الذي يمارسه الدماغ تعتبر أغلب الكائنات الحية هي آلات بيو-كيميائية تتصرف و تتحرك وفق أوامر تأتي من الدماغ بالبحث عن الطعام أو مهاجمة عدو أو البحث عن مكان للنوم او البحث عن شريك للجنس .. الخ. و كل هذة الأدوار و المهام التي يقوم بها الدماغ بالنسبة للكائن الحي يعتبر ذكاء آلي أو ذكاء روبوتي .. مثل الذكاء الذي يتحكم في أجهزة الكمبيوتر و روبوتات المصانع و المعامل. و إن كان الذكاء الحيواني أكثر تعقيدا و فعالية و كفاءة بسبب طول فترة الإختبار و التطوير التي قامت بها الطبيعة بالإعتماد على آليات الإنتخاب الطبيعي.
إذن متى و كيف تخطى الدماغ حدود الذكاء الآلي إلي مستوى الذكاء الواعي (لو صح التعبير) الذي يتمتع به الجنس البشري ؟ و ما هو الفرق بين نوعي الذكاء أصلا ؟!!
مرة أخرى التراكم في كم الذكاء الآلي الحيواني أدى إلي تحول نوعي في مستوى الذكاء, أو ما يعرف بالذكاء الواعي. و مبدأيا يعتبر الذكاء الآلي هو ذلك الذكاء المرتبط بشكل مباشر بإشباع الإحتياجات الحيوية لجسم صاحب الذكاء. يعني الحيوانات المفترسة مثل الأسود أو النمور او الفهود .. حين تخرج لتصطاد فتتآمر و تصبر و تحيك المكائد لكي تنفرد بفريسة معينة في القطيع : كل هذا يحسب ذكاء آلي نشأ نتيجة لتراكم الطفرات البيولوجية بالنسبة للدماغ و الحواس و الجهاز العصبي المركزي و الحركة و غيره. لكن الذكاء الواعي هو ذلك الذكاء الذي تخطى مجرد تلبية الإحتياجات البيولوجية الحيوانية و بدأ يكون له نوع من الإحتياجات المستقلة عن الإحتياجات البيولوجية التقليدية من غذاء و مياه و جنس و أمن و غيره .. مثل المعرفة لذاتها و الفهم لذاته.
هذا الفضول العلمي لمعرفة أشياء كبيرة لن تفيدنا او تضرنا بشكل مباشر و ربما لا يبدو لها أي نفع واضح للكائن الذكي .. لكن العقل هنا بدأ يكون له شخصية مستقلة عن الكائن الذكي و بدات مطالبه تتزايد و نهمه للمعرفة و الوعي لم يعد مرتبطا بتحقيق إشباعات حسية بيولوجية للكائن بل أصبحت إحتياجات عقلية صرفة للمعرفة و الفهم .. و هكذا نشأت العقلانية بتدريج تراكمي يشبه التدريج الذي انتج العين أو الحواس أو الجهاز العصبي المركزي أو الدماغ عبر ملايين السنين.
بالطبع ما كان للذكاء أن يبدأ في البحث عن إحتياجاته الخاصة قبل أن يحقق و لو وفرة بسيطة أو حالة من الإشباع الكافي للحيوان حامل الذكاء .. فالحيوان المحاصر من أخطار عديدة أو الذي يعاني من ندرة الغذاء يصعب جدا أن يجد وقتا لكي يفكر أو يتأمل أو يراكم فكر او معرفة. يعني القرد البشري حين بدأ يفقد شعر جسمه و بدأ ذكاؤه يعمل لكي يقوم بتعويض مساوئ هذة الطفرة بالنسبة لبقية القرود و الحيوانات .. أنتج ملابس بدائية من جلود الحيوانات التي يصطادها. و عن طريق ابتكار طرق لإشعال النار و تعلم الزراعة و إختراع الدولة و غيره .. لم يعد القرد البشري يعاني من تقلب و غدر الطبيعة, بل حقق لنفسه وفرة و رفاهية نسبية أتاحت له وقتا لكي يفكر و يتأمل و يتخيل و يفن و يبحث و يتعلم و يخترع. فالذكاء هنا قد أنجز مهمته و لم يعد هناك مهام ضرورية لحياته مما جعله يبتدع مشاكل خيالية معرفية لكي يحلها .. و من هنا نشا الذكاء الواعي عبر ملايين السنين.
في زمن ما قبل المجتمعات الكبيرة أو الدول كان القرد البشري يواجه قوة الأسد و تقلب الجو و ندرة الغذاء عن طريق ذكاؤه و أدواته و حيله .. و هو ما كان يجعل الطبيعة تحفز هذا الذكاء و تدفع به إلي الأمام لكي يعوض به القرد البشري ضعف بنيته و صعوبة التحديات التي يواجهها. لكن منذ ان تعلم الإنسان الزراعة و بدأ في إقامة مجتمعات مستقرة و من ثم ممالك و دول لها قوانين و قدرة متزايدة على مواجهة الطبيعة .. بدأ الذكاء يحقق فائض في التفكير مماثل للفائض في الطعام و بدأ يبحث عن إحتياجاته الخاصة و يكون له شخصيته المستقلة. و من هنا بدأ صراع آخر ..

ثالوث الإنسان

كل قرد بشري يعيش داخليا ثلاثة صراعات أساسية ..
اولا : الغريزة
و هي ردود الأفعال اللاإرادية و الإنعكاسات العصبية Unconscious Reflexes تجاه المحفزات الموجودة في البيئة, أو هي ما يمكن تسميته بالسلوك الإفتراضي Behavior by Default. و هذة الغريزة هي ردود الأفعال التي زرعتها و دعمتها الطبيعة في الكائنات الحية من خلال الإنتخاب الطبيعي. فمثلا البحث عن الطعام وقت الجوع أو البحث عن الإشباع الجنسي أو ردود الأفعال السريعة تجاه هجمات الحيوانات او العدوان عموما و كذلك رد الفعل الغريزي عند الشعور بالألم بسبب جرح معين. هي كلها ردود أفعال مزروعة في الجنس البشري بشكل طبيعي بحيث يمكنها التعامل (بسرعة كبيرة و بدون أي تفكير أو بطء) مع المخاطر و التحديات الموجودة في البيئة بوجه عام. و عن طريق الإنتخاب الطبيعي كل من له غريزة بليدة أو ضعيفة الإستجابة ببساطة إنقرض لأنه لم يستطع التكيف مع البيئة.
ثانيا : النفسية
و كل المشاعر و الأحاسيس و العواطف التي يشعر بها الكائن الحي بوجه عام, و هي غالبا ناتجة بسبب التفاعل الإجتماعي بين الكائنات الحية من نفس الجنس. و لأن النفسيات تختلف و تتعارض بطبيعة الحال بسبب إختلاف الظروف و المؤثرات على كل فرد .. و بسبب التوزيع الطبيعي غير العادل للذكاء حيث نجد قلة قليلة من الناس تحترك معظم الذكاء الإنساني : فالنفسية غالبا ما تنحاز و تخضع لغريزة القطيع فتجبر الفرد على التصرف بسلوك الجماعة التي ينتمي لها دون كثير من التفكير أو التخطيط.. بالضبط كما تفعل الحيوانات في القطيع أو السرب. فعن طريق الإنتخاب الطبيعي كل من كان لديه ميل للعزلة أو الإستقلال إنقرض بسبب الميزات التنافسية التي يتمتع بها المنخرط في الجماعات الكبيرة.
ثالثا : العقل
و هو فائض الذكاء الذي حققه الجنس البشري بعد إنشاؤه لحضارة نامية و إستقرار نسبي بالمقارنة مع بقية الكائنات الحية .. و هو موضوعي و مجرد و خيالي و هو غير متوفر بشكل عادل بين أغلب الناس.
و كل طرف من هذة الأطراف لديه منطق و نمط سلوكي واحد على مستوى الجنس البشري كله, و كل طرف فيهم يختلف و له شخصية مختلفة تماما عن الطرفين الآخرين .. لذلك تتصارع هذة الكيانات الثلاثة داخل كل إنسان عاقل على حسب قوة و حجم كل طرف من هذة الأطراف.
فهناك مثلا بشر غرائزيين و هؤلاء يحتكمون في الغالب إلي غريزتهم الحيوانية البدائية في سلوكهم, لذلك تجد الغريزة هي الحاكمة و هي المنطق السلوكي الغالب عليهم. و هناك بشر نفسانيين و هؤلاء يحتكمون في الغالب إلي عواطفهم و مشاعرهم الساذجة, لذلك تجد أحوالهم متغيرة و فوضوية و كثيرا ما يصيبهم الإكتئاب و الحزن و يتحكم في سلوكهم كما يتحكم التفاؤل و الفرح. و هناك بشر عقلانيين و هؤلاء يحتكمون في الغالب إلي عقولهم و أفكارهم التي يقتنعون بها, لذلك غالبا ما يبدون متعصبين أو مؤدلجين .. و غالبا ما يعاني العقلانيون من الكبت و التشدد لأنهم يمارسون قمعا زائدا على النفسية و الغريزة. و بسبب موضوعية و تجريد العقل و إرهاقه للذات (النفسية و الغريزة معا) بالكبت و القمع, بدأ الجهاز المناعي يتعامل مع الذكاء كدخيل على الجسم, كفيروس مؤذي او ميكروب يصيب الجسم لكي يمرضه و يرهقه.

فيروس العقل

الفيروس (Virus) هو عامل ممراض صغير (دائما مضر و ليس مثلا البكتيريا, فهناك بكتيريا نافعة و بكتيريا مضرة) لا يمكنه التكاثر اٍلا داخل خلايا كائن حي آخر. الفيروسات صغيرة جدا ولا يمكن مشاهدتها بالمجهر الضوئي. تصيب الفيروسات جميع أنواع الكائنات الحية، من الحيوانات والنباتات اٍلى البكتيريا والعتائق. على الرغم من أن هناك الملايين من الأنواع المختلفة، لم يتم وصف إلا حوالي 5000 من الفيروسات بالتفصيل، وذلك منذ الاٍكتشاف الأولي لفيروس تبرقش التبغ من قبل مارتينوس بيجيرينك عام 1898. الفيروسات موجودة تقريبا في كل النظم الإيكولوجية على الأرض (الأرض و الجو و البحر)، وتعتبر هذه الهياكل الدقيقة (الفيروسات) الكيان البيولوجي الأكثر وفرة في الطبيعة. دراسة الفيروسات معروفة بعلم الفيروسات، وهو تخصص فرعي في علم الأحياء الدقيقة.
 العدوى الفيروسية لدى الحيوانات (البشر ضمناً) تثير الاٍستجابة المناعية التي عادة ما تقضي على هذا الفيروس المعدى. هذه الاٍستجابة المناعية يمكن أيضا أن تكون ناتجة عن اللقاحات والتي تمنح حصانة ضد الإصابة بفيروس معين. ومع ذلك، بعض الفيروسات مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) وتلك التي تسبب الاٍلتهاب الكبدي الفيروسي يمكنها التملص من هذه الاٍستجابة المناعية، وتسبب التهابات مزمنة. الكائنات المجهرية أيضا تملك دفاعات ضد العدوى الفيروسية، مثل نظم تعديل القيد.
و قد إختلفت الآراء حول كون الفيروسات كائنات حية أم لا .. فتم وصفها بــ الكائنات على حافة الحياة، نظرا لأنها تشبه الكائنات الحية باٍمتلاكها جينات وتتطور عن طريق الإنتخاب الطبيعي، وتتكاثر عن طريق اٍنشاء نسخ متعددة لنفسها بواسطة التجميع الذاتي. لكن على الرغم من أن لها جينات اٍلا أنها لا تملك بنية الخلية، التي غالبا ما ينظر إليها على أنها الوحدة الأساسية للحياة. ليس للفيروسات عمليات حيوية خاصة بها (مثل الغذاء و التنفس و الإخراج)، بل تتطلب خلية مضيفة لاٍنتاج مواد جديدة. لذلك لا يمكن استنساخها خارج الخلية المضيفة. أشكال الحياة المقبولة تستخدم الانقسام الخلوي للتكاثر، في حين أن الفيروسات تتجمع عفويا داخل الخلايا. تختلف عن النمو الذاتي للبلورات لأنها ترث طفرات جينية في حين تخضع للإنتخاب الطبيعي.
(معلومات منقولة)
virus
بالطبع لم يتحدث العلم أو العلماء و لم تخبرنا التجارب المعملية أن الذكاء هو فيروس يتحكم في جسم العائل (القرد البشري في حالتنا) لكن يسهل ملاحظة ان للذكاء نمط واضح و سلوك معين في الكائن الحي .. و هذا النمط الواضح و السلوك المعين يسهل مقارنته و إيجاد تشابه بينه و بين الكائنات الطفيلية التي تعيش بالإعتماد على كائنات حية أخرى تعولها. فالتطفل Parasitism هو علاقة بين إثنين أو اكثر من الكائنات الحية, حيث يقوم الكائن (أ) بالعيش متطفلا على الكائن (ب) و يتغذى عليه أو على غذاؤه. الكائن (أ) هنا يكون طفيلي و الكائن (ب) عائل و يجب أن يضر الكائن (أ) الكائن (ب) .. و إن لم يحدث ضرر للكائن (ب) لا تحسب العلاقة تطفلا بل تحسب علاقة نشوء تعايشي Symbiogenesis .. و عادة يصير هذين الكائنين كائنا واحدا مثلما تعيش البكتيريا في الإنسان وعلى الإنسان و لا يستطيع أن يستغنى عنها الإنسان لأنها جزء أساسي من عملياته الحيوية.
و يفترض ان العلاقة بين العقل و النفسية و الغريزة هي حالة أقرب ما تكون إلي النشوء التعايشي لكن بسبب نجاح الذكاء في توفير الأمن و الغذاء و الراحة لعائله أو جسمه أصبح الذكاء (أو العقل) زائدا عن حاجة الجسم و صارت العمليات الدماغية تستهلك غذاء و طاقة دون أن تفيد الجسم أو العائل (الغريزة و النفسية), بل على العكس صار العقل تعب و ألم و معاناة لصاحبه .. و هو ما أدى إلي أن يقاوم الجسم هذا الذكاء الطفيلي على الجسم مثلما يفعل الجهاز حين يتعرض الجسم لهجمات بكتيرية أو طفيلية.
يعني بسبب النجاح الذي حققه الذكاء و الذي حققته الحضارة الإنسانية بالنسبة للقرد البشرية بدأت العلاقة التكافلية Mutualistic Relationship بين العقل و الذات و التي جعلت منهم كائنا واحدا او حالة من النشوء التعايشي Symbiogenesis كالتي تجمع بين الخلايا الحية و البكتيريا النافعة في جسم الإنسان .. بدأت هذة العلاقة تتحول إلي علاقة تطفلية Parasitism. و لهذا بدأ العقل تدريجيا يتحول إلي كائن طفيلي على جسم و نفسية القرد البشري الذي تحول إلي عائل لهذا الفيروس .. فيروس الذكاء. و بدأ الجسم يعتبر الذكاء زائدا عن الحاجة و هو ما جعل الغريزة تقاوم العقل كما يقاوم الجهاز المناعي الميكروبات و الأمراض الدخيلة على الجسم, و حتى النفسية تقاوم العقل بواسطة الحيل النفسية الدفاعية.

الجنة الإلهية زريبة حيوانات

المشكلة الآن مشكلة حضارية إنسانية, كيف تحافظ على ذكاء لم تعد في حاجة عملية إليه ؟!! كيف تحتاج شيء لا تحتاجه فعلا ؟! و إذا كان الذكاء قد نجح في جعل كل الخدمات و الموارد متاحة بضغطات بسيطة على الأزرار أو حتى بمكالمة تليفونية .. فما حاجتنا لتشغيل الدماغ أو الإهتمام بأمور معقدة ترهق العقل و تصدم النفس و تعوق الغريزة ؟!! للأسف نحن نعيش حاليا هذا المنطق في حضارتنا, و حين يسعى الناس للحرية فهم يسعون للتحرر من العقل أرهقهم و اجهدهم بالمطالب و الإلزامات و المعرفة. نعم, حضارتنا الآن تجبرنا على فقد و نسيان ميزتنا التنافسية الوحيدة التي أهلتنا لصنع كل هذة الحضارة التي تفوقنا بها على سائر الكائنات الحية, حضارتنا لم تعد بحاجة إلي الذكاء بل إلي التقليد البدائي الآلي فقط .. و إلي التمرغ في الملذات الحسية الغرائزية.
الحاجة أم الإختراع, و هذا يعني أن الكفاية أم الحماقة .. و بالتالي إما ان نعيش في نظام إقتصادي يصطنع الندرة إصطناعا (و هي مزيفة و غير حقيقية في الواقع لأن الحضارة العلمية قادرة و بسهولة على تحقيق الوفرة و الكفاية لكل الناس) لكي يحتاج الناس إلي الذكاء فيقبلوا التعلم في المدارس و تثقيف أنفسهم, و إما أن نواجه أنفسنا و نعترف أن الندرة التي نواجهها ليست ندرة غذاء أو مياة أو طاقة أو موارد : بل هي ندرة معرفة و تقنية و علم و ذكاء.
Muslim Paradise
من يظن أن الإنسانية بكل علومها و تقنياتها لا تستطيع تحويل الأرض إلي جنة تشبه الجنة المذكورة في القرآن و التي حكى عنها كل دين بطريقته ؟! بالطبع نستطيع أن نفعلها و المشكلة ليست في تحويل الأرض إلي جنة أصلا .. هذا هو أبسط ما يمكن فعله. المشكلة أن الوفرة و الكفاية و الأمان و الراحة الموجودين في الجنة لن ينتجوا إلا خنازير أو خرفان كالتي يربيها الإنسان حاليا في مزارعه, الوفرة و الكفاية و الراحة و تحويل كل مهام الإنسان إلي الآلات و التكنولوجيا لتنفيذها سيجعل من الإنسان كائن كسول أحمق لا يعرف شيئا و لا يريد أي شيء.
إن في ايامنا الحالية و برغم كل هذا الفقر و الجوع و الظلم الإجتماعي المتفشي على نطاق واسع نحن نعرف أن السمنة و البدانة هي إحدى سمات العصر و إحدى أهم الظواهر المرضية المنتشر على نطاق واسع .. الإنسان يتحول تدريجيا بالفعل إلي خنزير و من يغتني أولا و يحقق الوفرة لنفسه أولا يتحول إلي كائن كسول و بدين و سطحي أولا !! و ما هو السبب في فشل الإتحاد السوفيتي كأول تجربة شيوعية تتم على نطاق واسع ؟!! أهم الأسباب في ذلك هو الإنسان فقد الحافز لفعل أي شيء, الدولة تعهدت بعد الحرب العالمية الثانية بتوفير الطعام و الأمان و العمل للجميع .. فلم يعد أي إنسان يشعر بحافز لفعل أي شيء. و سبب النجاح النسبي للراسمالية هو حافز الربح الذي يجعل البشر يتسابقون و يتصارعون و يتقاتلون و يتحاربون من أجل حفنة دولارات تافهة, إنه نظام الطبيعة الذي طور الذكاء الآلي.
لكن الذي لا يعلمه (أو يتجاهله) دعاة الليبرالية الرأسمالية هو أن الطبيعة (السوق الأكبر) لم تطور كائنات لديها ذكاء كافي عبر التاريخ الطويل للحياة على الأرض, أنتجت فقط الذكاء الآلي الي يميز الحيوانات في بحثها عن الغذاء و الأمن .. فالذكاء الواعي او الذكاء العلمي الذي يميز بعض البشر لم ينشأ أساسا إلا كطفرة غريبة شاذة غير مدعومة بالإنتخاب الطبيعي. لذلك فالندرة المادية لن تنتج إلا ذكاء حيواني عادي في مستوياته الطبيعية, الوفرة المادية لن تنتج إلا غباء و ضعف الخرفان و الخنازير في المزارع حيث يعيشون بلا أي صعوبات او تحديات في إنتظار سكين الجزار. و الحل هو في نظام علموي-تكنوقراطي يحقق وفرة مادية للجميع مع ندرة معرفية للجميع أيضا .. حيث يسعى كل إنسان للمعرفة و الذكاء لإشباع نهمه للمعرفة و الذكاء و ليس لكي يحصل على سيارة جديدة أو ملابس أكثر.

تعليقات
0 تعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق