دور العلماء المسلمين الأوائل في النهوض بعلم الأحياء



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



دور العلماء المسلمين الأوائل
في النهوض بعلم الأحياء


لقد انطلقت الحضارة الإسلامية من قيم الإسلام،ودعوته الملحة على طلب العلم، منذ بداية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في أول آية نزلت تدعو إلى طلب العلم، وتجعله فريضة على المسلمين،قال الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ..). وما إن استقرت الدولة الإسلامية،وامتد سلطانها في مشارق الأرض ومغاربها،حتى راح العلماء المسلمون ينهلون من موارد العلم بمختلف فروعه وفنونه،فأخذوا يترجمون الذخائر العلمية وينقلون إلى اللغة العربية علوم الإغريق والرومان والفرس والهنود..، ونقلت ألوف الكتب من المكتبات القديمة،وأقيمت دور الكتب والمكتبات، وفتح الخلفاء والأمراء قصورهم للعلم والعلماء،وتنافس الخلفاء والحكام في رعاية العلم والعلماء وتسابقوا في الإنفاق في سخاء عليهم.(1)
وفى هذه البيئة الصالحة لأمة القران الذي أول ما نطق به الوحي لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم "اقرأ"،نشا عدد من العلماء يقرنون إلى أعاظم العلماء في كل عصر،

حيث كانت العربية لغة العلم يكتب بها العلماء ليقرأها الناس في أي صقع من أصقاع العالم الاسلامى، وازدهرت حركة الترجمة أيما ازدهار، ثم أقبل العلماء على التأليف والكتابة في مختلف فروع المعرفة العلمية، نقلوا علوما وابتكروا أخرى وأضافوا كثيرا من الآراء والنظريات التي نسبت في بعض الأحيان إلى غيرهم . تكلموا في التطور، وان نسب إلى "دارون" في القرن التاسع عشر، وقد كتب فيه "مسكويه" و "ابن خلدون" قبل دارون بقرون، وتحدثوا في أثر البيئة على الأحياء قبل "لامارك"، وكانت نسبتها إلى ابن خلدون، وهكذا في باقي العلوم. وقد ظلت مؤلفات هؤلاء العلماء المراجع المعتمدة في جامعات أوربا حتى القرن السابع عشر. وكما ذهب بعض المنصفين من علماء الغرب وإقرارهم بالقول: "بأن كثيرا من الآراء والنظريات العلمية حسبناها من صنعنا فإذا العرب سبقونا إليه". ولقد ظلت الأمة الإسلامية والعربية حاملة لواء النهضة عدة قرون، في وقت كانت أوربا ما تزال غارقة في الظلام، فقد اهدى الفكر العلمي في العصر الاسلامى إلى الإنسانية كثيرا من مظاهر الحضارة والتقدم في مجالات العلم بأنواعه،وفى ألوان الفكر على ثرائه(2).

وبينما كان الطب والدواء ذيلا للسحر، فان علم الأحياء -وبصفة خاصة علم النبات- كان هو الآخر ذيلا للطب والدواء، حيث اهتم أطباء وفلاسفة العصور القديمة والوسطي بدراسة النباتات الطبية،إذ أن اغلب العقاقير التي كانت تستعمل في العلاج إنما هي نباتات أو خلاصات نباتية، حتى كان يعرف الأطباء بالعشابين لمعرفتهم بخصائص الأعشاب. وعلم الأحياء هو ذلك العلم الذي يختص بدراسة الكائنات الحية (الحيوانية والنباتية) من جميع جوانبها الوصفية والفسيولوجية وعلاقات بعضها ببعض، وبالبيئة التي تعيش فيها، وذلك بهدف استخدام هذه العلوم لصالح الإنسان ورفاهيته، ولم ينشأ هذا العلم كعلم مستقل لذاته وإنما ارتبط بعلوم الطب والدواء منذ فجر التاريخ. ومن الحقائق الثابتة تاريخيا وعلميا أن العرب والمسلمين قد اهتموا بالعلوم منذ القرن الأول للهجرة، ونقلوها إلى اللغة العربية وتمثلوها وزادوا عليها وطوروها حتى إن العلوم جميعها كانت علوما عربية في القرون الوسطى.. ومنها علم الأحياء.. فقد أولى المسلمون اهتماما كبيرا بالطب والدواء وما يتعلق به من معارف نباتية وحيوانية، كما كان لممارسة الزراعة وهواية الصيد وتربية الحيوان المتوحش والتي استهوت بعض الحكام والأغنياء..دور في تطوير علم الأحياء عند المسلمين.
لقد احتوت كتب الفلاسفة والأطباء والكيميائيين على معلومات كثيرة في النبات والحيوان، وقد أورد بعضهم فصولا كاملة في هذا العلم، ففي كتاب القانون في الطب لابن سينا معلومات كثيرة عن النباتات الطبية التي يتخذ منها عقاقيره، بالإضافة إلى معلومات وفيرة في علم الحيوان. وقد خصص ابن سينا جزءا كبيرا من كتاب الشفاء لدراسة النباتات وخواصها وصفاتها وأصلها، وصنف الحيوانات المائية إلى لجية وطينية وصخرية حسب البيئة المائية التي تعيش فيها،ووصف الغضاريف والعظام والأوردة والشرايين والأعصاب والأغشية والأجهزة الهضمية والتنفسية والتناسلية والعقلية.....الخ.

ولقد اهتم الجاحظ بدراسة الحيوان في كتابه "الحيوان" والذي يعد موسوعة أدبية وتاريخية وعلمية، وهو أول كتاب عربي جامع في علم الحيوان، ووصف من خلاله العديد من الحيوانات والطير الأليف والوحشي والأسماك والحشرات والزواحف والثدييات وغيرها.(3)
وهكذا ضرب عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية بسهم في كل حقل من حقول العلم،وشهد بذلك المنصفون من الكتاب والباحثين والمستشرقين الغربيين، وقدموا لنا شهادات منصفة تهز النفوس هزا، فها هو المستشرق "سبنسر فاميرى" يقول: ".. لايستطيع عالم واحد أن يتعامل مع القبة الزرقاء دون أن يلفظ اسما عربيا، ولا يستطيع أي عالم طبيعي أن يحلل ورقة من الشجر أو يفحص صخــرة مـن الصخور دون أن يتذكر درسا عربيا، و لا يقــدر أي قــاض أن يـبت اليوم في خلاف دون أن يستــدعى مبــدأ أملته العرب، ولا يسع أي طبيـب أن يتـأمــل دائــرة أحد الأمراض المعروفة منذ القدم إلا أن يهمس بآراء طبيب عــربي، ولا يستطيع أي رحالة أن يدلف إلى أبعــد زوايـا آسيا وأفريقيا دون أن يعمد إلى اللغة العربية". وهذه المستشرقة الألمانية "زيجريد هونكة" تقــول فــي كتابها "شمس الله تسطع على الغرب": "...إن أوربــا مدينــة للعرب وللحضارة العربيــة، وان الــدين الــذي في عنــق أوربــا وسائـر القــارات للعــرب كبيــر جــدا، وكــان يتعــين علــى أوربــا أن تعتــرف بهــذا الفضــل منــذ زمــن بعيــد، لكن التعصب واختلاف العقيدة أعميا عيوننا وتركا عليها غشاوة، حتى إننا لنقرأ ثمانية وتسعين كتابا من مائة، فلا نجد فيها إشارة إلى فضل العرب وما أسدوه إلينا من علم ومعرفة، اللهم إلا تلك الإشارة العابرة إلى أن دور العرب لا يتخطى دور ساعي البريد الذي نقل إلينا التراث الاغريقى".(4)

وهكذا لنا أن نفخر بفضل أسلافنا في سبقهم في التقدم العلمي والحضاري في زمن ملكوا فيه ناصية العلم، واستطاعوا أن يبنوا أعظم حضارة عرفتها الإنسانية أفاءت على العالم كله بظلالها الوارفة، لكن عندما فرط الأحفاد في ميراث الأجداد ولم يضيفوا عليه أو حاولوا حتى التجديد فيه والحفاظ عليه صرنا على الحالة التي نحن عليها اليوم،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
المراجع:
- 1- ماذا قدم الإسلام للغرب، مجموعة كتاب، ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة 2- المرجع السابق. 3- عباقرة علماء الحضارة العربية والإسلامية،محمد غريب جودة،ط الهيئة المصرية العامة للكتاب. 4- المرجع السابق

تعليقات
0 تعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق