۞۩۞ ياعبادالله اثبتوا ۞۩۞





۞۩۞ياعبادالله اثبتوا۞۩۞




الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
فحين تتوالى المدلهمات وتتنادى الخطوب وتتلون الفتن يتكاثر المتساقطون على قارعة الطريق ، منهم من يسقط خوفا ومنهم من يسقط جزعا ومنهم من يسقط طمعا ومنهم من يسقط وهو يظن السلامة في الحور بعد الكور .
وفي هذه الأزمنة المتأخرة التي كثرت فيها الفتن وتوالت فيها المغريات وأقبلت الدنيا حاشدة رجلها وخيلها وعسكرها مغررة بالقلوب ومغرية للأنفس بنعيم الدنيا الزائف ومتاعها المرجف الراجف ، في هذه الأزمنة ما أحوجنا إلى ذلك الصوت النبوي الحاني : " ياعباد الله اثبتوا".
إن الثبات أمام الشدائد والمحن والخطوب وأمام تلون الدنيا ومغرياتها سمة من سمات عباد الراشدين الذين يعلمون أن الفتن إنما هي تمحيص للمؤمنين وفتنة للغافلين اللاهين ، والفئة المؤمنة لاتغير من إيمانها الكروب سلبا بل إن الكروب تزيدها قناعة بنصاعة الطريق الذي تسير عليه ولذا تجد في محطات الألم والغربة والكربة والابتلاء جلاء لما صدأ من إيمانها.
إن الثبات معناه أن يستمر المرء في طريق الهداية والالتزام بمقتضيات هذا الطريق والمداومة على الخير والسعي الدائم للاستزاده ومهما فتر المرء إلا أن هناك مستوى معين لايقبل منه النزول دونه أو التقصير فيه وإن زلت قدمه فلا يلبث أن يئوب ويتوب لله علام الغيوب.
لقد ذكر الله عزوجل في محكم التنزيل صورا متعددة للثبات في حياة المسلم وما ذلم إلا لكي يستشعر المسلم خطورة هذه القضية وأهميتها ومن تلك الصور التي ذكرها القرآن العظيم صورة الثبات في المعركة أمام جحافل أعداء الله ورسوله فالربانيون لايزيدهم صليل السيوف وزمجرة الموت إلا ثباتا وتضحية واطراحا بين يدي الواحد الأحد مؤملين في عونه ومدده ومغفرته " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وماضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * ووما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ".
نعم في أحلك ساعات الخوف والشدة والكربة ثبات على الحق وإيمان عميق يقود إلى تماسك وتمسك وعبودية مطلقة للواحد الأحد وهكذا هم رجال الموقف ورجال الحسم الذين لاتعصف بهم الرياح كما تعصف بغيرهم من أصحاب الإيمان الواهن الضعيف " ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا " ، لقد كانت نتيجة ذلك الصبر والثبات حميدة سعيدة في الدنيا مع ماينتظر أصحابها من حسن الجزاء في الآخرة.

لقد كانت مسألة الثبات على دين الله عزوجل الشغل الشاغل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت هي القضية التي تشغل فكر أصحابه من بعده وهي القضية التي كدت أذهان العلماء والصلحاء والفضلاء ، فلقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد رحمه الله كثيرا مايدعو " يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " وهاهو حذيفة رضي الله عنه يحذر العلماء بقوله " يامعشر القراء استقيموا فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا " ، وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كثيرا مايدعو بهذا الدعء " ألله إني أسألك إيمانا لايرتد ونعيما لاينفد " ، ويقول شداد بن أوس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا : "أللهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد ".
ومهما يكن من أمر فإن الثبات على الدين معلم بارز من معالم الاستقامة لأن المتردد والخائف والمضعضع لايقدر على الثبات ولا يقوى على تكاليف الاستقامة .

وإن من صور الثبات على الدين الثبات في الفتن نعم الثبات في أيام الصبر التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ) ، وما أروع تلك الصورة الإيمانية تتجلى في ذلك العبد المنيب الذي يهرع حال الفتن إلى تجسيد معنى الإيمان بثباته وصبره بل واستزاده من الخير وترقيه في درجات الصلاح مع يعصف بالكون حوله من الفتن ومع ذلك فهو متشبث بأهداب دينه متلمس لطريق نبيه صلى الله عليه وسلم وفي أحلك الظروف وأكثرها شدة لايتحكم بتصرفاته وأعمال إلا الأوامر الربانية والتوجيهات المحمدية النورانية التي تشحذ همته وترتقي به إلى عنان الجوزاء فيحقق العبودية والإخبات لله رب العالمين والناس من حوله في أمر مريج ، ومثل هذا استحق أجر خمسين من الصحابة نظرا لما هو عليه من خير عظيم عند ثباته حال الفتن : ( يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر) و ( إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم).
إننا ونحن نرى هذه الأجور العظيمة ما أحوجنا لأن نربي أنفسنا على هذا المعنى الإيماني وخصوصا في هذه الأزمنة المتأخرة لكي ننهض بهممنا وننفض غبار الكسل عنا فهل نتنبه لذك ؟ ، عسى الله أن يجعل لقلوبنا من بعد ذلك فرجا قريبا وصلى الله على محمد.




تعليقات
0 تعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق