|
احذر ....أن تكون فرعونياً
د. سليمان بن صالح الجربوع
د. سليمان بن صالح الجربوع
الحمد لله لا أحصى ثناءً عليه...تحدث القرآن كثيرا عن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وفرعون، وقد ذكر اسم فرعون في القرآن قرابة الواحد والستين مرة على اختلاف السور، وما ذلك إلا لأن فرعون اتصف بصفات ذميمة كثر عددها.
وما تحدث القرآن عن شيء وأكثر من ذكره إلا لينبه الناس عليه، فإن كان خيرا لحقوا به وتأسوا به، وإن كان شرا بعدوا عنه ورغبوا عنه، فالمواقف في الحياة كثيرة وفي حياة الأنبياء عليهم السلام كبيرة، ولكننا نجد أن القرآن قد اقتصر على مواقف بعينها يبرزها للوجود ويحفظها مادامت الأرض والسماء باقيتين، لتتعلم البشرية منها ولتأخذ العظة والعبرة، ولتعلم السبيل للخلاص والتوبة والإنابة.
فرعون لم يكن سوى فرد آتاه الله من الملك الكثير وجعل له سلطانا يخشاه الناس، وجعل له أموالا ونفوذا وأصحابا وجنودا يحتمي بهم وسحرة وكهنة يسحرون له ويشغلون الناس عن الحق وينقلونهم من النور إلى الظلمات، لذلك تكرر ذكره في القرآن ومع ذكره أورد القرآن صفاته الذميمة محذرا الرئيس والمرؤوس والراعيوالرعية والغني والفقير ، أن يسير على طريقته أو يستن بسنته، فليحذر الناس من هذه الصفات وليركنوا إلى ضدها فضدها حسن يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويجمع عليه المصلحون، فاعتبروا يا أولي الألباب.
وما ارتأيته في هذا البحث إيراد الصفات التي ذكرها القرآن لفرعون حسب ترتيب السور في المصحف وهي إجمالاً كالتالي:
1- الطغيان في الأرض والبغي بغير الحق.
2- التكذيب والكفر بآيات الله.
3- الظلم لنفسه.
4- التطير بالمؤمنين.
5- نكث العهد مع الله ورسوله.
6- الغفلة.
7- الاستكبار في الأرض والعلو.
8- الإجرام.
9- الصد عن سبيل الله.
10- الفسق.
11- الاستهزاء بدعاء المؤمنين المظلومين.
12- الإفساد.
13- الإسراف
14- العصيان.
15-التعزز بالقوم والجنود.
16- ادعاء الألوهية.
وما تحدث القرآن عن شيء وأكثر من ذكره إلا لينبه الناس عليه، فإن كان خيرا لحقوا به وتأسوا به، وإن كان شرا بعدوا عنه ورغبوا عنه، فالمواقف في الحياة كثيرة وفي حياة الأنبياء عليهم السلام كبيرة، ولكننا نجد أن القرآن قد اقتصر على مواقف بعينها يبرزها للوجود ويحفظها مادامت الأرض والسماء باقيتين، لتتعلم البشرية منها ولتأخذ العظة والعبرة، ولتعلم السبيل للخلاص والتوبة والإنابة.
فرعون لم يكن سوى فرد آتاه الله من الملك الكثير وجعل له سلطانا يخشاه الناس، وجعل له أموالا ونفوذا وأصحابا وجنودا يحتمي بهم وسحرة وكهنة يسحرون له ويشغلون الناس عن الحق وينقلونهم من النور إلى الظلمات، لذلك تكرر ذكره في القرآن ومع ذكره أورد القرآن صفاته الذميمة محذرا الرئيس والمرؤوس والراعيوالرعية والغني والفقير ، أن يسير على طريقته أو يستن بسنته، فليحذر الناس من هذه الصفات وليركنوا إلى ضدها فضدها حسن يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويجمع عليه المصلحون، فاعتبروا يا أولي الألباب.
وما ارتأيته في هذا البحث إيراد الصفات التي ذكرها القرآن لفرعون حسب ترتيب السور في المصحف وهي إجمالاً كالتالي:
1- الطغيان في الأرض والبغي بغير الحق.
2- التكذيب والكفر بآيات الله.
3- الظلم لنفسه.
4- التطير بالمؤمنين.
5- نكث العهد مع الله ورسوله.
6- الغفلة.
7- الاستكبار في الأرض والعلو.
8- الإجرام.
9- الصد عن سبيل الله.
10- الفسق.
11- الاستهزاء بدعاء المؤمنين المظلومين.
12- الإفساد.
13- الإسراف
14- العصيان.
15-التعزز بالقوم والجنود.
16- ادعاء الألوهية.
ولقد ذُكرت تلك الصفات والآيات التي تحدثت عنها، مع التركيز عليها من القرآن وبعض الأحاديث النبوية وهدفي هو التنبيه على صفات هذا الطاغية وقصته التي أبقاها القرآن تحذيرا للمؤمنين أن يقعوا فيها أو يبتلوا بها .
الصفة الأولى: الطغيان في الأرض والبغي بغير الحق:
قال الله تعالى واصفا فرعون : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)[طه: ٢٤]وورد طغيان فرعون أيضا في نفس السورة في الآية الثالثة والأربعين، وفي سورة النازعات في الآية السابعة والثلاثين(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: ٩٠].
والطغيان والبغي في الأرض الذي قام به فرعون فصله الله تعالى في قوله تعالى في أول سورة البقرة:(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) [البقرة: ٤٩] فمن كثرة طغيانه وبغيه في الأرض سام بني إسرائيل العذاب، قال الماوردي: «يزيدونكم على سوء العذاب، ومنه مساومة البيع، إنما هو أن يزيد البائعُ المشتريَ على ثمنٍ، ويزيد المشتري على ثمنٍ، وهذا قول المفضل»( النكت والعيون للماوردي: (1/ 118) )
ففرعون يسوم بني إسرائيل العذاب ويزيدهم عذابا إلى عذابهم، ولم يكتفي فرعون بهذا بل قام بذبح أولادهم، وأبقوا على النساء والبنات للخدمة والاستذلال.
فأي طغيان أشد من هذا تعذيبا لخلق الله، والبغي بهم، بدون شفقة أو رحمة، لأنه يظن أنه إله من دون الله كما سأذكر بعد قليل، ففرعون وصل إلى قمة الطغيان والبغي في الأرض وقد قال محمد بن كعب القرظي فيما رواه ابن أبي الدنيا في ذم البغي: «ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: البغي والمكر والنكث» وقد استقى هذا الكلام من القرآن الكريم حيث قال الله تعالى عن البغي: (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [يونس: ٢٣]فبغي الإنسان عليه في النهاية وما من باغ أو عاد أو طاغ إلا انتقم الله منه في الحياة الدنيا قبل الآخرة وعذبه في الدنيا قبل الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ اللهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيَّ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ، يُعَجِّلُ لِصَاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ»
( رواه البخاري في الأدب المفرد: ح(591). وصححه الألباني)
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا - مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِى الآخِرَةِ - مِثْلُ الْبَغْىِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» ( رواه أبو داود ح(4904)، والترمذي ح(2511)، وقال عنه حسن صحيح. وصححه الألباني في الصحيحة ح(918) ).
فهكذا كان فرعون يمتلك صفة من أشد الصفات فتكًا في نفس الإنسان: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى *إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)[العلق: ٦ – ٨]، رأى أعرابي في حال كفره رجلا يعذب رجلا حتى مات، قال: «لو لم تكن هناك رجعى إلى حاكم عادل يأخذ بحق هذا لكان خلقنا عبثًا»، فكيف للإنسان ذلك، وهوأوله نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة ويمشي وهو يحمل العذرة، ولكنها الأهواء، والطغيان الذي يجر صفات ذميمة معه، ويكون ثمرة للاستعلاء والتكبر.
فما بال الإنسان يطغى بخلق الله تعالى أن آتاه الله النفوذ والسلطان ويسير بينهم بالبغي والعدوان، أما يعلم أنه راجع يوما إلى ربه، ثم إنهسائله عن كل شيء مهما كثرت عبادته وصلاته وتضرعاته، قال النبي صلى الله عليه وسلميوما لأصحابه: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ» ( رواه مسلم في صحيحه: ح(2581) ).
وهذا فرعون ذمه الله في كتابه بل جازاه على طغيانه بعقوبة هي أشد وأنكى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس: ٩٢]فهل من معتبر وهل من متعظ؟
ولقد توعد الله تعالى في سورة إبراهيم من حذا حذو فرعون بالعذاب الشديد:(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ *وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: ٦ – ٧] لأن ما وصل إليه فرعون من سلطان ونفوذ وملك كان من عند الله وليس من نفسه: (ألم تر إلى الذي حاجإبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أناأحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهتالذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين)[البقرة: ٢٥٨] آية ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[آل عمران: ٢٦] فالملك بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده للعادل ليظهر عدله فيحب الناس العدل والعادل، وللطاغ ليبشع الناس من الطغيان والظلم ومن اتصف بهما.
الصفة الثانية: التكذيب والكفر بآيات الله
قال الله تعالى عن فرعون: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديدالعقاب)[آل عمران: ١١] وقال أيضًا: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: ٥٢] وقال:( وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ* كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر: ٤١ – ٤٢].
أتى الله فرعون جنان الدنيا، ثم أرسل الله له رسولا من عنده يدعوه إلى الدين الحق، ويطلعه أن هناك إلها يعبد، بيده مقادير كل شيء، يخفض ويرفع، يذل ويعز، حي لا يموت ، لا يملك أحد معه شيئا، فكان الاستنكار فكانت الحجة: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ* قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ* َالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ*لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء: ٢٢ – ٢٩] ألجمه موسى عليه السلام الحجة فما كان منه إلا التهديد بالسجن بعد أن غُلب وحار جوابا أمام تلك الحجج الدامغة التي تدل على وجود إله واحد لا شريك له بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
ولكن موسى عليه الصلاة والسلام لم يكتف بهذا بل أعطاه آيات بينات أخرى ليريه الحق فما زاده إلا تكذيبا وكفرا:(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ* قاَلَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ* قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ* قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ* فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ* فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ* قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ* فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ* َأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ* فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ* قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ* رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ* قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ* قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ* إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ )الشعراء: [٣٠ – ٥١] آية يده وآية العصا آيتان ظاهرتان لا يحتاجان إلى تأويل، خاصة أن فرعون ساحر بل هو من علّم السحرة، ولكنه عدل عن الصراط المستقيم، فجمع فرعون لموسى السحرة فهزمهم موسى بالحق الذي عنده، وآمن السحرة الذين وقفوا بجوار فرعون ضد موسى، هذا لم يزده أيضا إلا طغيانا وكفرا، وتكذيبا بآيات الله ورسوله.
إن النفس التي تريد الحق إذا جاءها أمر الله وتبين لها خضعت وسلمت له، وتقبلته بنفس راضية عاملة، ولكن قوة طغيان فرعون جعلته يكذب ويكفر فإنها صفات تتلو صفات وتجر في ذيلها صفات أخرى.
إن الأعرابي فهم الأمر قديما فقال: «البعرة تدل على البعير .. والأثر يدل على المسير .. فسماء ذات أبراج .. وأرض ذات فجاج .. ألا تدل على العليم الخبير» ((لوامع الأنوار البهية: (1/ 272)) أما يرى فرعون ويبصر في نفسه كيف خلق، ومن خلقه، ألم يسير في الأرض فيتفكر وينظر كيف كان عاقبة الذين من قبله، ألم ينظر إلى الأنهار من تحته من يجريها ومن يرسلها، ولو شاء لجعلها أجاجاً.
بل زاده الله حججا بينات ليرجع فما كان من إلا النكوث والنكوص:(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ* وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ* فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ )[الأعراف: ١٣٣ – ١٣٦]،فسبحان الله يعلم أن موسى حق وأن هناك ربّا وإلها يكشف الضر، ولكن لا يستجيب له عنادا وظلما:(فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ* وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: ١٣ –١٤].
فالآيات أمامه وأخذه الله بالسراء والضراء ولكن أبى عقله وقلبه إلا التكذيب والإنكار.
فكانت العاقبة أن أورده الله الغرق في الدنيا والنار في الآخرة والعبرة لغيره من بعده:( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[غافر: ٤٦] (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) [يونس: ٩٢].
الصفة الثالثة: الظلم
قال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف: ١٠٣](كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ)[الأنفال: ٥٤] ( فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) [يونس: ٨٥].
يقول صاحب الظلال: «والذين يكفرون أو يشركون يظلمون الحقيقة الكبرى حقيقة الإلهية وحقيقة التوحيد، ويظلمون أنفسهم بإيرادها موارد الهلكة في الدنيا والآخرة. ويظلمون الناس بإخراجهم من العبودية لله الواحد إلى العبودية للطواغيت المتعددة والأرباب المتفرقة، وليس بعد ذلك ظلم، ومن ثم فالكفر هو الظلم»( في ظلال القرآن عند تفسير قوله تعالى في الأعراف «فظلموا بها»).
فمن أعظم الظلم الذي وقع فيه فرعون أن يظلم نفسه بأن يوردها موارد الهلاك والجحيم، بأن يكذب بآيات الله ويكفر بها، ثم يظلم قومه بمنعهم من اتباع موسى عليه السلام، وقد بين الله ظلم الإنسان لنفسه في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )[فاطر: ٣٢]، ففرعون من الظالمين لأنفسهم.
وظلم فرعون كما بينت الآيات أيضا لا يقف عند ظلمه لنفسه بل تعدى لظلم غيره، والظلم ظلمات يوم القيامة، والله ينصر المظلوم ولو كان مشركا والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا، ولكن ما نريد أن نركز عليه ما كانت عاقبة ظلم فرعون لنفسه ولقومه...؟
كانت عاقبة ظلم فرعون لنفسه ولقومه: زوال ملكه، وغروب شمسه، واضمحلال سلطته، وغرقه في المياه هو وجنوده ونجاة جسده ليكون لمن خلفه آية.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام» ( الاستقامة لابن تيمية: (2/ 247) ). وهذا على مستوى الدول والشركات والمؤسسات والمجتمعات وحتى على مستوى الأسر.
فعلى المسلم أن يجتنب الظلم وأن يعلم أن دعوة مظلوم لا يردها شيء ولو كان كافرًا.
الصفة الرابعة: الطيرة بالمؤمنين
قال تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: ١٣١].
هذه الصفة تنبأ عن عدم فهم الأحداث التي تصيب الإنسان، وعدم العلم بقضاء الله وقدرهـ .
وهذا لمن انتكست فطرته ورأى الحوادث وبنات الدهر من صنع خيالاته وأوهامه، ظانا بأنه الحق، حتى يصل الأمر إلى ربطها بالفئة المؤمنة الموحدة، اشمئزازا لها وحث النفوس الضعيفة على البعد عنهم.
إن التشاؤم بالمؤمنين لهي صفات المنافقين الذي لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ألم تكن تلك دعوى المشركين على محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا )[النساء: ٧٨]، إن أصابهم قحط وسنة يدعون انه بسبب محمد صلى الله عليه وسلم وبتّباعهم له، ولكن الرد الإلهي كان حاسما : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )[النساء: ٧٩]، فالسيئة بذنوبنا وأخطاءنا وبما كسبت أيدينا: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ *وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [الشورى: ٣٠ – ٣١]، فالله يعفو عن كثير وإلا لغرقنا في بحور ذنوبنا، ولانكسرت بنا مراكبنا في أمواج خطايانا، فلنرجع إلى الله قبل فوات الأوان ولنعلم أن ما أصابنا من شيء فبما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير.
الصفة الخامسة: نكث العهد مع الله
قال الله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ* وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ* فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: ١٣٣ – ١٣٦]،وقال عنهم أيضا:(وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ* فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ)[الزخرف: ٤٩ –٥٠].
ابتلى الله فرعون وقومه بآيات كثيرة حتى يرجعوا إلى الله ويتوبوا إليه ويعلموا أن الله قوي قادر على أن يصرف الأمور كلها، وقد علم فرعون وقومه هذه الحقيقة فكانوا مع الابتلاءات المتعددة يذهبون إلى موسى ليدعوا الله لهم لينكشف الضر، وانتبه يذهبون إلى موسى الذي يتطيرون به كما ذكرنا آنفا في الآية رقم 131 من سورة الأعراف أيضا، ويعدوه ويعطوه عهدهم أنه إذا كشف عنهم الضر ورفع عنهم البلاء آمنوا به بل وأرسوا معه بني إسرائيل، فيدعو موسى ربه لكشف الضر ولرفع البلاء فما يكون من فرعون وقومه إلا النكوث بالعهد وخلف الوعد ومع من؟؟ مع الخالق سبحانه وتعالى، فكانت العاقبة الانتقام من الله جل وعلا منه.
وتلك خصلة يمقتها الله في الإنسان أن يدعوه في الشدة ويعطيه المواثيق والعهود ثم إذا كشف عنه الضر نكث عهده، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [يونس: ٢٢ – ٢٣]وقال أيضا:(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورًا* أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً* أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) [الإسراء: ٦٧ – ٦٩] فتلك خصلة لا يحبها الله أن تكون في عبده فنكث العهد مع الله فيه سوء أدب واغترار بالنفس، نسأل الله العافية.
قالصلى الله عليه وسلم:«إِنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَيُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِهَا فَصَلُّوهَا مَعَهُمْ فَإِنْ صَلَّوْهَا لِوَقْتِهَا وَصَلَّيْتُمُوهَا مَعَهُمْ فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا فَصَلَّيْتُمُوهَا مَعَهُمْ فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ نَكَثَ الْعَهْدَ وَمَاتَ نَاكِثًا لِلْعَهْدِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ»( رواه الإمام أحمد في مسنده: ح(16089) ).
الصفة السادسة: الغفلة
قال الله عز وجل:(فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ)[الأعراف: ١٣٦].
إن أحد أسباب كفر الإنسان بربه وعدم الخضوع لمنهجه؛ الغفلة عن آيات الله:(إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ)[يونس: ٧] هذا هو حال فرعون لا يرجو لقاء ربه، رضي بالدنيا وما وصل فيها، اطمأن لملكه وقوة سلطانه وأمواله وجنوده فغفل عن آيات الله ومن يغفل عن آيات الله؛ غفل الله عنه (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ )[سبأ: ١٧].
لقد ذكّرنا الله كثيرا بتلك الآيات الشرعية والكونية وعدّ علينا نعمه التي لا تحصى لنعلم أنه النافع الضار، وأنه بيده الخير كله ولا يضر سحر ولا شيطان ولا حيوان ولا غيره إلا بإذنه وبمشيئته يصيب بذلك من يشاء ويصرفه عمن يشاء، كل هذا لنؤمن ونستجيب له ولا نكون كما قال تعالى:(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )[الحج: ٤٦] فمن لا يؤمن بالآخرة ومن كذب بآيات الله عميت عليه تلك النعم فصار غافلا عنها لا يرى من صنع الله لها شيئاً.
وهناك غفلة عن الآخرة وغفلة عما بعد الموت يقول الله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )[الروم: ٧] فهم غافلون عن تذكر الموت وعن إعمار منازلهم في الآخرة يظنون أنها حياة واحدة يعيشونها، طُمس على قلوبهم فهم لا يرون الآخرة ولا يرون القيامة ولا يعلمون ما بعد الموت من جنة أو نار.
الغفلة داء يصيب القلب فيورثه التكذيب بالله والاستكبار على أوامره، ويكون علاجه بالتذكير الدائم والنظر في ملكوت الله وتدبر آياته وذكره آناء الليل وأطراف النهار، لذلك قال الله تعالى:(وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )[الأنعام: ٦٩]
فعلى الإنسان أن ينظر في الكون وفي نفسه، وعليه بذكر الله حتى لا يغفل قلبه وينسى خالقه ويغفل عن الآخرة.
الصفة السابعة: الإجرام
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [الأعراف: ١٣٣]، وقال أيضا: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [يونس: ٧٥]، وقال أيضا: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ) [الدخان: ٢٢].
وتلك صفة سابعة تضاف إلى رصيد فرعون وهي صفة الإجرام، والإجرام هو التعدي وهو أيضا الذنب، وهو من أعظم الذنوب وهو ليس الإشراك بل ادعاء أنه إله كما سنذكر بعد قليل إن شاء الله تعالى، وتعدى على حدود الله وتعدى على بني إسرائيل وتعدى على نفسه فظلمها وأوردها المهالك.
ولفظ الإجرام يوحي بشدة الرسوخ في الذنب والتمسك به، وهو لفظ أيضا يوحي بقوة الطغيان وعدم الخوف والخشية من الجبار، وقد وصفه الله كثيرا لأقوام غير فرعون وقومه كقوم لوط: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ) [الذاريات: ٣١– ٣٢]ووصف بها المنافقين المستهزئين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) [التوبة: ٦٦]ووصف بها قوم عاد الذين لم يخلق مثلها في البلاد: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) [هود: ٥٢]وهذا على سبيل الأمثلة لا الحصر وإلا فقد وصف الله أقواما عدة بالإجرام بسبب تعديهم ووقوعهم في الذنوب ورسوخ أقدامهم فيها وعدم التوبة ولا الرغبة في التوبة.
ونفس المجرم ليست لوامة تلومه على ما يفعل، وليست نفسا سوية بل هي نفس تحب الفساد وتكره الخير حتى لنفسها وإلا لانصاعت له وفكت قيدها من جهنم.
والعجيب أن الله عز وجل لم يوصف أحدا بالإجرام إلا وكان مستكبرا معاندا ظالما غاشما لا يرشده قلبه إلى الله، طمس عليه وانتكست فطرته وتحجر قلبه، بل نجده مع قوة الآيات والعقوبات التي ينزلها الله عليه ليرجع إليه قد فقد الإحساس بها، فلم يعد يستشعر الوخزات والمنبهات، وخذ على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ )[الجاثية: ٣١]، وقوله: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ) [هود: ١١٦]، فنسأل الله العفو والعافية.
الصفة الثامنة: الاستكبار والعلو في الأرض
قال الله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [الأعراف: ١٣٣]، وقال أيضا: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [يونس: ٧٥]، وقال أيضا: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) [يونس: ٨٣]، وقال جل في علاه: (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ* فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) [المؤمنون: ٤٦ – ٤٧]، وقال عز من قائل: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ* وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ) [القصص: ٣٩ – ٤٢]، وقال أيضا: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ) [العنكبوت: ٣٩]، وقال سبحانه: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) [القصص: ٤]، وقال عز وجل: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) [غافر: ٢٧]، وقال أيضا: (وَأَنْ لّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [الدخان: ١٩].
إن من أقبح الصفات الاستكبار والعلو في الأرض وأتى القرآن يبشعها في قلوب العباد ويري المؤمنين مصير المستكبرين من أمثال فرعون وغيره، بل وأتت السنة النبوية تحذر منها وتبين ما هي صفاتها وعلاماتها على الإنسان قال النبي صلى الله عله وسلم: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ»( رواه الإمام مسلم: ح(91) ).
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» ( رواه الإمام البخاري: ح(4918)، ومسلم: ح(46) ).
وصفة الكبر على الناس شديد عقابها فما بالك على الأنبياء وعلى أوامر الله؟
إن فرعون علا في الأرض واستكبر وطغى ثم آتاه البشير النذير فعلا عليه واستكبر كما بين القرآن ولم يؤمن استكبارا وعنادا وعلوا في الأرض، وخوفا من ذهاب سلطانه ومساواته مع الفقراء والضعفاء وهو المتكبر، فكان عقاب الله له أن أغرقه في شبر ماء وجعله للناس آية وعبرة، وتحذيرا لكل مستكبر جواظ لا يؤمن بيوم الحساب.
فالمؤمن الصادق لا يستكبر عن الحق أي كان، مهما آتاه الله من الملك ومن النفوذ، بل يسير بالتواضع واللين ليرفعه الله درجات العليين، ولا يستكبر ويعلو عن أوامر الله لأنه هو خالقه ويملك ناصيته ويملك حبل وريده، ولا يستطيع إنسان أن يرفع يده ويضعها إلا بمشيئة الله وقدرته، ولا يقوم من كرسيه ولا يجلس عليه إلا بأمره وإذنه، وانظر إلى عاقبة المتكبرين في الأرض دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها.
كانت عاقبته أليمة حيث استكبر وطغى: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ) [القصص: ٣٩ – ٤٢]، فعاقبته لم تكن النار فقط وكفى بها عقابا ولكنه صار من أئمة الكفر الذين يدعون إلى الضلال فبئس اللقب وبئس الدعوة، ثم صار لا يذكر فرعون في كل الأديان إلا باللعن والطرد والسب فلعنه الله وملائكته وجميع المؤمنين وفي النهاية صار من المقبوحين.
الصفة التاسعة: الصد عن سبيل الله
قال الله تعالى:(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ* وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى)[طه: ٧٨ – ٧٩] وقال أيضا: (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود: ٩٧]وقال أيضا: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ* فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ* فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ* فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) [الزخرف: ٥١ – ٥٥](قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ )[الشعراء: ٣٤ – ٣٥].
لم يكتف فرعون بكفره وفسقه وتكبره وعلوه في الأرض ورفضه للأمر الإلهي باتباع موسى وما أنزل إليه، بل زاد أن صد عن سبيل الله وصرف الناس عن آيات الله، مرة بالترهيب ومرة بالترغيب.
وهذا الذنب له عقوبة أخرى في كتاب الله قال الله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ) [النحل: ٨٨]، فالكفر له عذابه الخاص والصد عن سبيل الله له عذاب آخر،.
إن الصد عن سبيل الله تعالى ومنع الناس عن الهدى والإيمان يكسب الإنسان ذنوب وآثام الممنوعين دون أن ينقص من ذنوبهم شيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً» ( رواه الإمام مسلم: ح(16) )فكيف بالإنسان يحمل وزره ووزر غيره يوم القيامة ويبوء بذنبه وذنب غيره، ما أبشعه وما أبشع كبره وعلوه في الأرض.
وزاد فرعون في إضلاله للناس وصده عن سبيل بالاستخفاف بعقول الناس وذكر أشياء هو في الحقيقة لا يمتلكها حتى يبين للعامة أنه هو الإله وأن موسى ليس بنبي وإله ليس هو الرب القوي ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ* فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ* فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ* فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) [الزخرف: ٥١ – ٥٥] وكلها علامات مادية تبهر القلوب الضعيفة، يعلق صاحب الظلال على هذا بقوله: «ولكن الجماهير قد تؤخذ بالخوارق المعجزة، وقد يجد الحق سبيلاً إلى قلوبها المخدوعة. وهنا يبرز فرعون في جاهه وسلطانه، وفي زخرفه وزينته، يخلب عقول الجماهير الساذجة بمنطق سطحي، ولكنه يروج بين الجماهير المستعبدة في عهود الطغيان، المخدوعة بالأبهة والبريق »
إن ملك مصر وهذه الأنهار التي تجري من تحت فرعون، أمر قريب مشهود للجماهير، يبهرها وتستخفها الإشارة إليه .
فأما ملك السماوات والأرض وما بينهما ومصر لا تساوي هباءة فيه فهو أمر يحتاج إلى قلوب مؤمنة تحسه، وتعقد الموازنة بينه وبين ملك مصر الصغير الزهيد!
والجماهير المستعبدة المستغفلة يغريها البريق الخادع القريب من عيونها؛ ولا تسمو قلوبها ولا عقولها إلى تدبر ذلك الملك الكوني العريض البعيد!
ومن ثم عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبريق القريب!......
واستخفاف فرعون للجماهير أمر لا غرابة فيه؛ فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها، ولا يعودوا يبحثون عنها؛ ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة. ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك، ويلين قيادهم، فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين!
ولا يملك فرعون أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق، ولا يمسكون بحبل الله، ولا يزنون بميزان الإيمان. فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح. ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون انتهى بتصرف يسير.
الصفة العاشرة: الفسق
قال الله تعالى عن فرعون:(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)[النمل: ١٢]، وقال:(اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)[القصص: ٣٢].
الفسوق الترك لأوامر الله والعصيان لمنهجه وشرعه، والخروج عن الطريق المستقيم كما ورد في لسان العرب في مادة «ف س ق»، ففرعون اتسم بتلك الصفات الترك لأوامر الله والعصيان لرسوله والخروج عن الطريق المستقيم، فوصفه الله بالفسوق، كما وصف إبليس بالفسوق حال كونه عصىالله في السجود(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا)[الكهف: ٥٠].
فكل إنسان خرج عن أوامر الله وترك هديه وشرعه وخرج عن الطريق المستقيم فقد فسق وعصى، واستحق العقاب.
ونلاحظ أن الموضعين اللذين ذُكرا فيها تلك الصفة كانت مواضع إظهار علامات نبوة موسى عليه السلام أمام فرعون ولكن هذا لم يزده إلا فسقا، فقد تحجر قلبه وتبلدت مشاعره ولم يشعر بآيات الله في الكون ولا التي أظهرها موسى أمام عينيه، أغرق في سلطانه ونفوذه وأغرق في بحر أمواله وجنوده واستعلى بقوته ففسق عن أمر ربه.
إن فرعون لا يريد أن يتدبر أو يتفكر في أي شيء سوى هواه وميوله الحيوانية، لا يريد أن يستعلي بروحه عن قاذورات الدنيا فيرى الحق، فقد طبع على قلبه واتبع هواه.
نسأل الله أن نكون ممن يريدون الخير ويرجون الله والدار الآخرة.
الصفة الحادية عشر: الاستهزاء بدعاء المؤمنين المظلومين
قال الله تعالى:(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ)[غافر: ٢٦].
يظن فرعون أن موسى دجال ويظن أنه ليس مظلوما بل ظالما، لذلك فليدع ربه فلن يحدث لنا شيء، وهو يريد أن يشعر العامة أن لا رب لموسى يحميه سوى فرعون، ولذلك فليدعه وما يصيبنا؟؟
ولكن شخصية فرعون شخصية متناقضة إذا توسل لموسى كما أوردنا سابقا ليدع ربه ليرفعه عنه العذاب والرجز، فكيف لا يخاف من دعوة موسى ربه عليه؟؟
إنه طغيان السلطان والملك، فلا يا أخي لا تكن كفرعون لا يخشى دعوة المؤمنين عليه، ولا يخشى دعوة المظلومين عليه فكم كانت سهما قاتلا، وكم من طاغية قبله أو بعده ردد مقولته فانتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام.الصفة الثانية عشرة: الإفساد
قال الله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف: ١٠٣] وقال أيضا: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[يونس: ٩١] وقال سبحانه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[النمل: ١٤] وقال عز من قائل: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[القصص: ٤].
تلك هي الصفة الثانية عشرة من صفات هذه الطاغية إنها صفة الإفساد، فهو ليس كافرا فقط ولا ظالما فقط ولا فاسقا فقط ولا .... بل فاسدا يعيث في الأرض فسادا لذلك يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، قال الله تعالى عن مثله: (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ)[النحل: ٨٨] فالكفر والصد والإفساد ثلاثة خصال زاد الله بها عذاب فرعون ومثله، فهناك كافرون لا يعيثون في الأرض فسادا لهم عذاب وهناك من يعبث في الأرض ويعيث بها فسادا فعذابه مضاعف.
وحذر الله خلقه أن يكونوا فاسدين، فقال لبني إسرائيل والخطاب لناأيضا:(وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )[البقرة: ٦٠]وقال مخاطبا قوم عاد:(وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[الأعراف: ٧٤]وقال مخاطبا قوم شعيب: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[هود: ٨٥]فالإفساد كره الله، ونزلت الرسائل تحذر الناس منه وتكرهه إلى نفوسهم، لأنه من صفات الباغين ومن صفات الذين لا يتبعون أمر الله.
الصفة الثالثة عشر: الإسراف
قال الله تعال: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: ٨٣](مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ) [الدخان: ٣١].
بلغ فرعون في طغيانه وبغيه وعدوانه درجة الإسراف، فأسرف في طغيانه وأسرف في عصيانه حتى نصب نفسه إلها من دون الله.
ومن عواقب الإسراف أن الإنسان يحشر أعمى يوم القيامة قال الله تعال: (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى* وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ) [طه:١٢٥ – ١٢٧]، وعاقبته أيضا النار: (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) [غافر: ٤٣].
وقد وصف الله قوم لوط لشدة إتيانهم الرجال شهوة من دون النساء بالإسراف في هذا ليس مرة أو اثنتين ليس رجلا أو رجلين بل أسرفوا وبغوا في هذا:(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)[الأعراف: ٨١]فلذلك حذر الله عباده أن يسرفوا في أي شيء حتى في الطعام واللباس فقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف:٣١] وقالأيضا: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام: ١٤١] فالإسراف خصلة من خصال إبليس فأوبق نفسه النار.
بل توعد الله المسرفين بأنه لا يتغافل عنهم ولن يصفح عنهم فقال: (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ) [الزخرف: ٥].
الصفة الرابعة عشرة: العصيان
قال الله تعالى:(فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا )[المزمل: ١٦]وقال أيضًا: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى* فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى* فَكَذَّبَ وَعَصَى* ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى)[النازعات: ١٧ – ٢١].
يقول الألوسي رحمه الله تعالى: «وعصى الله تعالى بالتمرد بعد ما علم صحة الأمر ووجوب الطاعة أشد عصيان وأقبحه، حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين رأسا، وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته عز و جل وترك العظمة التي يدعيها الطاغية ويقلبها منه فئته الباغية، لا بإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر فقط، وفي جعل متعلق التكذيب موسى عليه السلام ومتعلق العصيان الله عز و جل ما ليس في جعلهما موسى كما قيل، فكذب موسى وعصاه من الذم كما لا يخفى» ( روح المعاني: (30/30) ).
الله الذي خلقنا والذي أحيانا من العدم، والذي رزقنا السمع والأبصار والأفئدة، والذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، والذي أجرى الأنهار، وأجرى المحيطات هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، والله الذي أرسى في الأرض رواسي أن تميد بنا، والله الذي أعطانا الخير كله، فكم من كربة كشفها، وبلية رفعها، وسوء أزاحه، ومصيبة هونها، وكم من لطف تراه العيون والأبصار، وكم لله من نعم سابغة علينا، ومن أحيى العظام وهي رميم، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، أبعد كل هذا نعصيه؟!
قال تعالى: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء: ١٤]، وقال أيضا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا) [الأحزاب: ٣٦](إِلاَّ بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) [الجن: ٢٣].
أرأيت عظم ذنب فرعون؟ أرأيت لما هو خالد مخلد في النار، عصى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يخضع لأوامره، فكانت الغواية وكانت الضلالة فكانت النار وبئس المهاد.
الصفة الخامسة عشرة: التعزز بالقوم والجنودقال الله تعالى: (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ )[الذاريات: ٣٩ – ٤٠].قال مجاهد رحمه الله تعالى: «تعزز بأصحابه» ( تفسير ابن كثير: (7/ 423).) وقال ابن زيد: «أي: بجموعه التي معه» ( تفسير ابن كثير: (7/ 423).
فهو تعزز بأصحابه وتعضد بهم وبجنوده، يظن أنهم سيغنون عنه من قضاء الله شيء، أو يدفعون عنه شيئا قد كتبه الله عليه، فهل نفعوه ساعة الغرق أم أغرقوا معه؟؟
إن كثيرا من الناس ليتعزز بجنوده وسلطانه ونفوذه ظانا أنهم ينفعوه شيئا، أو يدفعوا عنه ضرا ما، ولكن الله هو النافع الضار.
وإن أحد أسباب طغيان فرعون وعصيانه لله ورسوله؛ من التف حوله من جنود وبطانة سيئة أغروه بأنهم يدفعون عنه شرا أو يجلبون له خيرا، ولكن هيهات هيهات، يوم يناديهم فلا يستجيبون له بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فيه وما هو ببالغه.
قال الله تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ* وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) [البقرة: ١٦٦ – ١٦٧].
وقال أيضا:(وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ )[إبراهيم: ٢١].
الصفة السادسة عشرة: ادّعاء الإلهيةقال الله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [القصص:٣٨] وقال أيضا: (فَحَشَرَ فَنَادَى* فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) [النازعات: ٢٣ – ٢٤].ختم فرعون قصة حياته بمأساة حقيقة، إذ كل مشرك أشرك بالله لم يدع أنه إله بل عبد صنما أو عبد بشرا غيره أو عبد حيوانات أو عبد شمسا، ولكن أن يعتقد في نفسه أنه إله، وأن يدعو لنفسه أنه إله، وهذا ما حصل منفرعون لعنه الله.
ادعى فرعون الألوهية ودعا الناس للإيمان به ربا ولا رب سواه، فختم قصة حياته بأعظم الكفر والطغيان والإسراف، فمن ظن نفسه، هل ظنها تحيي وتميت، هل ظنها تخلق وترعى، هل ظنها ترزق نفسها وتنزل الأمطار والأرزاق.
أسرف وطغى وتجبر وظلم وعصى واستهزئ بأوامر الله وفسق عن أمر ربه وكذب رسوله وكفر بآياته ونكث عهده مع الله وغفل عن آيات الله في الكون وفي ونفسه غفل عن الموت والقيامة وأجرم، وعلا في الأرض واستكبر واستنكف، وصد عن سبيل الله فكانت العاقبة ادعاء الإلهية، فكان العذاب نارا خالد فيها، وجسمايعرض على الناس كل يوم لأخذ العبرة، ولكن هل من متذكر متدبر.
هذا ما تيسر إيراده، والحمد لله رب العالمين.
|